رئيس التحرير
عصام كامل

عيد الأضحى.. عظات وعبر


كل عام وحضراتكم بكل خير، يطل علينا عيد الأضحى المبارك ونحن في حال والحمد لله أفضل من سنوات سابقة، وفي أمل لرقي بعد سنوات عجاف مرت بمصر في آخر عشر سنوات من حكم مبارك، وفي السنة السوداء الفوضوية من حكم الجماعة الإرهابية التي ما زلنا نعاني منها حتى اليوم، وتحاول أن ترهبنا بالقتل والتفجير، ولا يسلم منها مصل أو عامل أو ضابط أو مواطن أو حتى مريض..


فهم دينهم القتل والإرهاب، ودستورهم إما نحكمكم أو نقتلكم، ومعانيهم تتلخص في الذبح والتفجير، وعملهم خالصا لوجه المخابرات الأمريكية والصهيونية منذ نشأتهم على يد المخابرات الإنجليزية، وتكوين جماعتهم على يد الماسوني الأكبر والجاسوس الأعرق حسن البنا، عليه من الله ما يستحق بما قدمت يداه وجماعته من قتل وتفجير وإرهاب.

فهم جماعة لا علاقة لها بسماحة الإسلام ولا قيمه المختلفة، فيجدون في تعكير صفو العيد والمناسبات الوطنية على المصريين لذة، ويشعرون بالفرح في القتل والشماتة في الموت، لكن ها هو عيد الأضحى يأتي مذكرا لنا بكل خير ونلحظ بشائره ليُذكرنا بالمعاني الفاضلة والأخلاق السامية الكريمة، عسى أن نأخذ منها العبر والعظات، ونتعلم منها ما يجب أن نتعلمه من دروس.

فعيد الأضحى يذكرنا بقصة من قصص القرآن الكريم، إنها قصة البلاء المبين، قصة تحدثنا عن موقف مؤثر لنبيين كريمين من أنبياء الله تعالى، وكيف كانت شدة امتثالهما وصبرهما وتسليمهما لأوامر الله تعالى، قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام.

فإذا كنا أمة الإسلام، نتذكّر اليوم نبي الله إبراهيم عليه السلام فعلينا أن نتذكر ملته، الملة التي أمر الله جل وعلا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم باتباعها واقتفاء أثرها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].

الملة التي سفه الله الراغب عنها فقال: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: الآية 130].

فملة إبراهيم عليه السلام، ليست في الذبائح والأضاحي، ثم نتركها في سائر السبل والنّواحي، فالعيد في الإسلام يمثل هوية المسلمين، لذا يجب عليهم أن يتميزوا فيه عن غيرهم من الأمم، فلا يستوردون فيه ما يعكر ويكدر صفو تميُزهم، وطبعا ليس من شيم المسلمين الغدر والتنكيل وقتل الأبرياء والتفجيرات بحجة إزاحتهم من الحكم برغبة الشعب الذي وجد فيهم كل خسة وبذاءة وقتل وإرهاب وعمالة، ومحاولة بيع الوطن خاصة سيناء لإسرائيل بشهادة محمود عباس أبو مازن الرئيس الفلسطيني.

وقد روى أحمد بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما، يومَ الأضحى، ويوم الفطر).

فأعيادنا ينبغي أن تحقق الغاياتِ المشروعة والأهداف، يجب على المسلمين أن يعظموا شعائر الله في أعيادهم، من العبادة والذكر وصلة الأرحام وإصلاح ذاتِ البين والتكافل الاجتماعي، ينبغي أن يتحقق مبدأ الأمة الخيِّرة الفاضلة التي قال عنها ربنا جل جلاله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، وبذلك يكون العيد فرصة لإعادة أواصر البنيان الاجتماعي من جديد، وتهيئة للأمة الإسلامية لاستئناف مسيرتها في قيادة البشرية إلى السبيل القويم.

فالعيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره ينطوي على حكم عظيمة، ومعانٍ جليلة، وأسرار بديعة، لا تعرفها الأمم الأخرى شتى أعيادها.

والعيد في معناه الديني، شكر لله تعالى على تمام العبادة وتمام الهدى، قال ربنا جل وعلا: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: الآية 185]. والعيد في معناه الاجتماعي الإنساني، يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والسعادة، ويوم الفقراء يلقاهم الأغنياء باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والتقوى والرحمة، ويـومُ عامـة المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويجدد فيهم أواصر الحب ودواعيَ القرب، فتتناسى النفوس أضغانَها، وتتقاربُ القلوب وتتصافى وتتصافح وتجتمع بعد افتراق على الألفة والمحبة.

العيد هو يومُ تذكيرٍ لأبناء المجتمع بحق الفقراء والمحتاجين، فتلتقي فيه قوة الغني وضعفٌ الفقير على محبة ورحمة وعدالة، عنوانها "أحسن كما أحسن الله إليك"، فتشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعمُّ النعمةُ كل أسرة. والعيد هو اليوم الذي تتسع وتمتد فيه روح الجوار، وتظهر فيه فضيلةُ الإخلاص، ويُهدي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المُخلصةِ المُحِبة، حتى يرجع البلد الواحد، بل الأمة بأكملها وكأنها لأهلها دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وفي ذلك كله إحياء وتجديد للصلة الاجتماعية وإحيائها بين أفراد الأمة الإسلامية لقول ربنا سبحانه: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: الآية 92]..

فكم هو جميل أن تظهر أعياد الأمة بمظهر الواعي لأحوالها وقضاياها، حيث يطغى الشعور بالإخاء قويا متمثلا في قول الحق سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: الآية 10].

فالأمة الخيرة السعيدة هي التي تسمو أخلاقها في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعورها الإنساني إلى أبعد مدى، وذلك حينما يبدو في العيد أفراد الأمة متماسكين متعاونين متراحمين، حتى لَيَخفقَ فيه قلب كل واحد بالحب والبر والرحمة.

وحتى وإن عمّنا الفرح، فيجب أن لا تُنسينا فرحة العيد أن هناك آلاما وجروحا في مصر لم تلتئم بعد، هناك سهام الشر وسموم العدو يفتك في جسم مصر من كل ناحية، وأعني جماعة الإخوان الإرهابية التي ما زال أفرادها بعيدين عن عين الأمن وعن رقابته مما يمكنهم من التخطيط والتدمير، ويجعلهم يعيثون في الأرض فسادا وينشرون الشائعات بكل أريحية، ويستمتع منهم من هو في السجن بالطعام والشراب والتخطيط دون أحكام رادعة، فلك الله يا مصر، وكل عام وأنتم بخير.
الجريدة الرسمية