شريعة السلام في مواجهة مروجي القتل
«لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك»، نداء رقراق وعبارات فياضة، وعِبَر يستعيد بها ضيوف الرَّحمن في الحج قيمًا عطرة، وأمثلةً فياضة بمعانٍ نبيلة من سيرة العظماء، وهكذا تبدو المشاعر المقدسة والحج إليها في أسمى مقاصد التعليم الروحي العملي.
وفي سائر بقاع الأرض يفرح المسلمون وينشرون الفرحة على من حولهم.. تلك هي شرائع الله حيث السلام والأمن والإخاء.. ذلك هو الإسلام الحق الذي جاء قدومه إعلانا لنهاية العبودية والرق والجهل والتخلف والإرهاب والعنصرية، وإيذانًا بحذف كل معاني الشر من قاموس الإنسانية، وميلادًا جديدًا لقيم الحب والتسامح والرحمة والأخلاق الفاضلة والعدل.. وكل ما يخدم الإنسان.
نؤمن بذلك، بينما هناك من انتسب للإسلام ليكون عارًا عليه، فارتكب حماقات وآمن بأفعال، هي خدمة مجانية لأعداء الدين والإنسانية؛ فمنذ أيام اغتال أجهل أهل الأرض عددا من المصريين الأبرياء، فالإرهابيون الذين نفذوا الجريمة الفاجرة وراح ضحيتها
ــ بقصد أو بغير قصدــ عشرون نفسًا بريئةً فضلًا عن إصابة 47 آخرين، أكدوا مجددًا معاداتهم للإنسانية.
سنبدأ بعد غد المصافحة والعناق وتبادل التهنئة بعيد الأضحى المبارك بينما ستظل 67 أسرة تعاني ألمًا لا يعلم قسوته إلا الله.. هذا الألم لن تُضَمِّد جراحة تعويضات أو تعاطف لحظي عابر، ولن يمحو أثره الزمن.
هل كان ذنب أولئك الضحايا الأبرياء أن مجموعة من «المرضى النفسيين»، تصورا أن بينهم وبين مصر ثأرا فقرروا الانتقام منها بقتل أبنائها أيا كانوا وحيثما كانوا؟.. لا يهمني هنا إن كانت العملية الفاجرة تستهدف منشأة حيوية أو أنها لم تكتمل فانفجرت سيارة القتلة في المكان الخطأ، الذي يهمني هنا حتمية توحيد ودعم الجبهة الفكرية في الحرب المعلنة على هؤلاء الإرهابيين القتلة.. إذ إنه ليس من المنطق أن نظل «ندين ونشجب ونستنكر» الإرهاب ومدبريه ومنفذي عملياته الآثمة ونحن ساكتين عما نقرأه ونسمعه ممن لا فقه ولهم ولا علم.
لقد مضى زمن الموائمات أمام الأفكار الضالة، التي يحرِّم ويحلل مروجوها على هواهم كما يريدون، علينا أن تصدى بقوة العلم والفقه وأصوله لأي من يخرج للتحليل والتحريم في الدين كما يشاء.. إن مصر تتعرض لما تتعرض له من إجرام الإرهاب وتدفع خيرة أبنائها في الحرب ضده على مستوى الجبهة الأمنية، بينما الجبهة الفكرية خوَاء؛ فلست أتخيل أن موظفة «منتقبة» ترفض التعامل مع زميلتها لأن الأخيرة «لا تلبس النقاب»، وداعية سلفي يقول لمصلٍ خلفه «إنه خصيمه ليوم القيامة» لأن المصلي «يحلق اللحى؛ فيرتكب معصية».
إن من بيننا من يحرم «إمامة حليق اللحية للمصلين»، ويمنع «تهنئة المسيحيين بأعيادهم»، ويرى ختان الإناث «ضرورة حتمية وشرعية لحماية المرأة وتطبيق السنة»، بيننا أيضًا من يرى «الحرام في كل شيء».. إن المواجهة لتلك الأفكار لن تكون أمنية بأي حال من الأحوال فلا الأمن قادر على الدخول في عقول الناس، ولا السياسة السليمة تقتضي التضييق على ذوي الأفكار الضالة أمنيا، حتى يروجوا لأنفسهم على أنهم في خانة «شهداء الفكر»، فيصبح الممنوع من أفكارهم الشاذة مرغوبا لدى عامة الناس، فتأتي المجابهة الأمنية لقضايا فكرية بنتائج سلبية؛ لذلك فدعم الجبهة الفكرية في الحرب ضد الإرهاب ركيزة للأمن القومي ودعم مباشر للمواجهة الأمنية التي هي وإن كانت الأساس في المواجهة لكن ستبقى المواجهة الفكرية الداعمة والمانعة لوأد الإرهاب قبل أن يظهر.