رحلة إلى المجهول.. مهاجرون أفارقة عالقون في اليمن
ما أن تغادر عاصمة جنوب اليمن عدن باتجاه الصحراء، حتى تلتقي بمجموعة من اللاجئين يقطعون الصحراء سيرا على الأقدام حاملين القليل مما يملكون. آثار السير الطويل واضحة على أقدامهم المتورمة. الكثير منهم قضى أياما طويلة سيرا على الأقدام لقطع المسافة من الساحل اليمني الذي رست فيه قواربهم سرا ليتوجهوا إلى عاصمة الجنوب اليمني عدن.
أحد المهاجرين لا يزال طفلا ويقدم نفسه قائلا: "اسمي سعيدو وعمري 13 عاما وأنا من إثيوبيا". أما أخوه الذي يقف إلى جانبه فيجيب عن سؤال عما يبحث في رحلته، فيقول "بير"، وهي الكلمة المرادفة للفلوس ويضيف: أبحث عن المال".
البحث عن المال وفرصة للعمل وقليل من الاستقرار هو ما يأمل عشرات الآلاف من الأفارقة أن يجدوه، عندما يركبون الموج في رحلة خطيرة من القرن الأفريقي إلى اليمن.
الوصول إلى ساحة الحرب!
لكن اليمن ليست واحة للاستقرار، فمنذ أربع سنوات تفتك حرب ضارية في البلد الذي كان يسمى يوما ما "بالسعيد". في نهاية 2014 استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء وأسقطوا حكومتها آنذاك. وفي مارس من عام 2015 هاجم تحالف بقيادة السعودية المتمردين الشيعة. المعارك تحولت بمرور الزمن إلى حرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران التي تدعم الحوثيين.
لكن اللاجئين والمهاجرين القادمين من القرن الأفريقي لا يعلمون إلا القليل عن كل ذلك.
وفي الطريق الصحراوي الطويل ألتقي بشاب أفريقي آخر. إنه بعمر 25 عاما ويروي أنه مصدوم من الرحلة الخطيرة عبر خليج عدن. ويقول: "عندما ركبنا القارب اكتشفنا أنه لا يوجد ماء للشرب ولا طعام وكانت الرياح العاتية تهزنا، وكان البعض واقفا في القارب، فيما كان آخرون يجلسون والقارب كان مكتظا بالمهاجرين".
ومن ينجح في الوصول إلى البر عليه أن يتحمل أعباء مسيرة طويلة تستغرق أياما سيرا على الأقدام في الصحراء. والمهاجرون، وجلهم من الشباب، يدفعون بضعة مئات من الدولارات مقابل الوصول إلى أرض اليمن. وفي الحقيقة يرغب الكثير منهم مواصلة الرحلة سيرا إلى السعودية. ولكن وبحكم الوضع الأمني المتدهور والطرق الوعرة في اليمن، لا يمكن أن تعلم أين تنتهي رحلة كهذه.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الأشخاص الذين يخوضون مخاطر رحلة الهروب من شرق أفريقيا إلى اليمن. ولكن تقديرات حذرة تتحدث عن 50.000 إلى 150.000 شخص في العام. معطيات لا يمكن التأكد منها بشكل موثوق في بلد تمزقه حرب ضارية. كما يلعب الطقس وحالة البحر تأثيرا كبيرا وفوريا على عدد المهاجرين الذين يركبون القوارب في جيبوتي في رحلة خطيرة إلى اليمن.
والواضح هو أن طريق الهجرة هذه غير معروفة، لكنها أرخص بكثير من الطريق التي تمر بالسودان وليبيا إلى أوروبا، كما أنها خطيرة للغاية. فبسبب الحرب أصبح اليمن عبارة عن حقل ألغام أينما ما ذهبت.
الكثير لا يصل إلى السعودية ابدا
في الأثناء تقترب سيارة تابعة لمنظمة خيرية. العاملون في المنظمة يفضلون عدم الإفصاح عن هوياتهم إعلاميا، لكنهم يوضحون أن الكثير من المهاجرين لا يصلون أبدا إلى الهدف المنشود وهو المملكة العربية السعودية.
وحسب توضيح نشطاء المنظمات الخيرية، فإن "90% أو 85% من المهاجرين يبقون عالقين في عدن، لأن الحرب تفتك في الضالع"، كما يقول سائق العربة. السيارة تنقل صناديق من الماء وعلب التمر وبعض الكعك، التي يوزعها السائق على المهاجرين السائرين في الطريق، كلما مر بأحدهم. في نفس الوقت يوثق السائق عدد الذين يلتقي بهم في الطريق.
وللعلم، فبلدة الضالع التي يتحدث عنها الناشطون تقع على الحدود بين السعودية واليمن، لكن البلدة تسيطر عليها قوات حكومة الشرعية وقوات الحوثي أيضا. ومن يريد العبور إلى السعودية عليه أن يمر بحواجز طرفي الصراع. ومن الطبيعي في مثل هذه الحالات أن يصبح المهاجرون ضحية الجبهتين.
المهربون يستفيدون من انعدام وجود القانون
في عدن ألتقي بأحد المهربين اليمنيين والذي يفضل طبعا أن يبقى مجهول الهوية، حيث يوضح أن الحرب صنعت منه مهربا ويتابع: "لا توجد فرص عمل ونجلس طوال الوقت دون عمل ولا يبقى أمامنا سوى العمل في البحر". في بلد تنعدم فيه الرقابة القانونية، يصبح فيه عمل المهرب مصدرا لواردات ضخمة. محدثنا يقول إنه يحصل على مبلغ 400 دولار أمريكي مقابل كل مهاجر يرغب في الوصول إلى اليمن.
وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن اليمني من الفقر والبطالة، يجد إلى جانبه مجموعة أخرى من الفقراء: مهاجرون من أفريقيا.
عبدي وصل قبل شهرين إلى اليمن قادما من إثيوبيا ويروي أن المهربين ضربوه وسلبوه ماله ولا يستطيع الآن مواصلة رحلته. ولهذا ينصح عبدي المهاجرين الآخرين بأن لا يرحلوا من بلدانهم إطلاقا.
ويوضح "أريد أن أقول لهم، من الأفضل أن لا تأتوا إلى اليمن. ولا تحاولوا حتى التفكير في استخدام اليمن كبلد عبور إطلاقا للوصول إلى بلد آخر. ابقوا في بلدانكم فهو أفضل لكم".
لكن حلم الوصول إلى السعودية يبقى يراود الكثير من المهاجرين الذين ينطلقون في رحلة محفوفة بالمخاطر، حتى لو كانت الرحلة تقودهم إلى بلد يعيش مشكلات لا تنتهي، مثل اليمن.
فاني فاكسر/حسن ع. حسين
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل