تكفلت برعاية شقيقاتها وأولاد ضرتها.. أحمد يكافئ والدته بـفوتوسيشن "الجلابية والطرحة"
خلال شهر مارس الماضي، وبينما كان الشاب أحمد حجازي يستعد لإنهاء امتحانات العام الأخير بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية في جامعة طنطا، باغتت ذهنه فكرة "مطرقعة" كما وصفها، أراد أن يسعد بها والدته تلك السيدة التي تحمل في قلبها طيبة ونقاء أهل الريف، وفي نفس الوقت يكافئها على ما قدمته له خلال مسيرته التعليمية: "فكرت ازاي ممكن أعبر عن حبي وامتناني لها، خاصة إنها ساعدتني وقت الامتحانات رغم انها مش متعلمة لكن كانت تكفي دعوة منها بالتوفيق وصلاح الحال ليا ولاخواتي".
اتفق أحمد مع مصور خاص لعمل جلسة التصوير في إحدى حدائق مدينة السنطة، فكان الموعد منذ نحو أسبوع، حضر مع الأم، لم تكن محبذة الفكرة في البداية، كانت خجلة من نظرة رواد الحديقة: "أمي في الأول اتاخدت واتكسفت، لكن أول ما اندمجنا مع الكاميرا وأنا حضنتها وضحكنا، فكت وضحكت، وبدأت تندمج وتطلق الزغاريد ابتهاجا بنجاحي وحصولي على البكالوريوس وبدأ الناس في الحديقة يلتفون حولنا ويقدمون لها التهنئة".
في جلباب بسيط ذو طابع ريفي هادئ، وغطاء رأس أسود عادة ما ترتديه سيدات معظم قرى محافظات الجمهورية، ولت السيدة "آمنة" وجهها ناحية كاميرا الأخوين المصورين "أشرف ونيروبي الحلواني"، كاشفة عن ابتسامة رائقة كفيلة بنظرة واحدة إليها أن تزيل عن صدرك أي ضيق عالق به، يحتضنها بقوة نجلها أحمد ذو الـ 22 عاما، مرتديا روب التخرج الأسود، بينما تقبض يده الأخرى على يدها يقبلها في صورة ويضع رأسها بين يديه في صورة أخرى.
للأم آمنة سجل حافل في تاريخ منزل العائلة بقرية "ميت الليث" في مدينة السنطة بمحافظة الغربية، بصفة عامة، وفي رأس أحمد بصفة خاصة، فهي الصديقة والأخت ورفيقة ليالي المذاكرة في أوقات الامتحان، واليد الحانية التي تربت على كتفه كل صباح، مخبرة إياه بالاستيقاظ لتناول وجبة الإفطار، عمود المنزل كما أطلق عليها أحمد، الحضن الذي ظل لأكثر من أربعين عاما يتسع لأجيال تلو الأخرى، قبل أن تصبح آمنة منذ نحو 24 عاما أما لأحمد وشقيقه، بعد أن تزوجت من رجل فقد زوجته الأولى مخلفة وراءها ثلاث فتيات وولد، تولت آمنة تربيتهم، كانت أيضا أما لأخواتها بعد أن رحلت عنهم أمهم في سن مبكرة: "أمي دي أعظم ست في الكوكب، اتولدت علشان تكون أم من أول ما بدأت توعى على الدنيا، أمها ماتت وهي عمرها 11 سنة، وسابت لها إخواتها أبوهم مكنش يقدر لوحده على حمل مسئوليتهم، هي كانت الأم والمسئولة عن البيت، كبرتهم وجوزتهم وكانت هي السند لهم لحد الآن"
قد لا تصادفك أم كهذه كثيرا على مدار مسيرتك الحياتية إلا مرة أو اثنتين على الأكثر، فآمنة التي شاهدت وجهها الضاحك والكاشف عن أسنان تركت السنوات وشقاء الأيام آثارها عليها، قدر لها أن تتحمل مسئولية أسرتها قبل الزواج، وأسرة زوجها الأول وأسرتها هي الصغيرة حديثة النشأة، فعلى مدار الخمسين عاما نجحت في تأسيس ثلاث أسر وتزويج أبنائها كافة، ولم يتبق إلا أحمد "آخر العنقود" وفتاها المدلل كما يطلق على نفسه: "أنا كبرت لقيت أم كل همها في الدنيا تسعدنا كلنا، عمري ما حسيت في يوم من الأيام إنها زوجة أب لاخواتي من أبويا، هما بينا وبينهم نحو عشر سنوات، كنت طفلا صغيرا وبشوف نصائحها المتكررة للبنات كأنهن بناتها بتحتويهم دايما وتقدم لهم النصائح".
في زيجات شقيقاته كان أحمد خير شاهد على ما كانت تعانيه كأنها الأم التي حملت في بطنها تسعة أشهر وأنجبت: "كنت باشوف دموعها في كل مرة تتجوز فيها بنت من إخواتي وبتعجب إزاي بيقولوا عن زوجة الأب قاسية!".
على عتبة بيت الأم آمنة دُهست القسوة ولم يكن هناك مكان للمقارنة ولو لحظة واحدة بين أي من الأولاد ابنها وأي منهم ابن زوجها، فكيف لا تكون مكافأة تلك الأم ألبوم صور بسيط يخرج بها من دائرة الروتين المنزلي ويلقي بها بعيدا حيث طفولة افتقدتها بفعل رحيل الأم عنها.