رئيس التحرير
عصام كامل

حظ "هيرون"


اقترب العيد ليجدد فينا ما حطمته بقية أيام العام، لذلك لا أنوي استقباله بكلمات المتبني (عيد بأية حال عُدتَ يا عيد، بما مضى أم بأمر فيكَ تجديدُ) ولكنني أنوي استقباله فرحًا، عبر القيام برحلة تاريخية قصيرة عن هؤلاء المخططين والمبتكرين والمكتشفين الذين اعتكفوا في معاملهم وأمام المخطوطات والكتب في محاولة لجعل العالم مكان أفضل..


ومن هؤلاء "هيرون" الذي كاد أن يغير العالم بما امتلكه من مهارات لولا عجزه عن توظيف موهبته والاستفادة منها..

تعود القصة للإسكندرية القديمة حينما اخترع "هيرون" أول محرك بخاري يقوم بتحويل طاقة البخار إلى طاقة حركية، واستخدم اختراعه في فتح وإغلاق أبواب المعابد وتحريك تماثيل الآلهة بشكل ميكانيكي ودون تدخل بشري.. كان اختراعه بمثابة السحر الذي سقط فوق رءوس زوار المعابد في القرن الأول الميلادي فأبهرهم الغموض المحيط بالتماثيل، التي صارت تتحرك من تلقاء نفسها وهو ما يعد وقتها أمرًا عجيبًا.

رغم اختراعه الفريد إلا أن "هيرون" السكندري لم يربط الاختراع بمتطلبات الحياة الواقعة حيث جاءت رؤيته في توظيف اختراعه لخدمة المعابد أقل من إمكانيات الابتكار نفسه، لذلك اختفت ذكراه بعد وهلة قصيرة وتم نسيانه لقرون عديدة حتى جاء "جيمس واط" في القرن الثامن عشر، الذي نجح في توظيف طاقة البخار في خدمة متطلبات الحياة حتى أصبحت من أهم أسباب النهضة الصناعية في أوروبا.

انتهى اختراع "هيرون" كبذرة صالحة ألقاها القدر في الصحراء القاحلة، فلا الأخيرة استفادت منها ولا سمحت لها بالنمو.. وبالمثل أحلامنا التي تحتاج إلى الاستيعاب التام لقدراتنا حتى تنمو، والدراسة الوافية لأفضل طرق توظيفها وإدارتها وتطويرها حتى يمكن تحقيقها.. وبعد أن ندرك حقيقة موهبتنا ونوظفها بأنسب طريقة، عندها قد يكون حظنا أفضل كثيرًا من حظ "هيرون".
الجريدة الرسمية