«الجواسيس».. كلمة سر الصراع الأمريكي الإيراني في الشرق الأوسط.. واشنطن تواجه طهران بـسيناريو «العملاء».. «الملالي» يرفضون خيار الحرب المباشرة.. والحرس الثوري كلمة السر
«أقصى قدر من الضغط».. سياسة يحرص الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على اتباعها في إدارة الأوضاع، خاصة في التعامل مع إيران، وبالمقابل تتبع طهران سياسة «الأحلام المتبادلة»، في ظل وضع يقلق العالم من نتائج كارثية ستترتب حال تصاعد وتيرة التوتر بين الطرفين، حسبما يرى معهد «ألتر» لأبحاث الإعلام الأمريكي، الذي اعتبر أن إسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون طيار، واحتجازها الناقلات، وتبادل الشتائم بين الطرفين، تؤكد أن حربا مخابراتية خطيرة يمارسها الطرفان في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل أن الجانبين تحدثا في أكثر من مناسبة عن أنهما لا يسعيان لخوض حرب.
وأبرز مثال على ذلك تصريح المرشد الأعلى الإيراني آية الله على خامنئي بأن بلاده لا تسعى للحرب، وفي المقابل لا يمكن إغفال إصدار ترامب لأمر بتوجيه ضربات عسكرية على طهران ثم إلغائه بعد ساعة.
حشد استخباراتي
وفي سياق ذلك حشد الجانبان قدراتهما الاستخباراتية وتعاونا مع حلفائهم في الخفاء، وتم توجيه بعض الوسائل الإعلام العالمية للترويج لحرب حقيقية محتملة، لإغفال الحرب الحقيقية التي تجري بين الأجهزة الاستخباراتية لهما، عبر الوكلاء السريين الذين يعملون، سواء بشكل جماعي أم فردي، كما هو الحال بالنسبة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي تتعاون بشكل وثيق مع الموساد الإسرائيلي.
العقل المدبر
ويعد المنسق الرئيسي للعمليات الاستخباراتية المشتركة رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، الذي يدير خطط زرع العناصر الاستخباراتية المتخصصة في جمع المعلومات السرية من داخل إيران، وكذلك الحرب الاستخباراتية الإلكترونية التي تستهدف مواقع وسجلات إلكترونية إيرانية.
كما شهدت الأشهر الماضية تصاعد دور مايكل داندريا، مسئول الملف الإيراني في وكالة المخابرات الأمريكية، المعروف بـ«مهندس عملية اغتيال وتعقب زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن»، بعد تمكنه من إشعال الاحتجاجات في عدة مدن إيرانية، بعد خطة عمل استمرت لمدة 4 سنوات حتى آتت أُكلها، وأشعلت موجة غضب استمرت لبضعة أشهر، لكن الأجهزة الأمنية الإيرانية تمكنت من كبح جماحها، وإعادة الاستقرار الأمني للبلاد، مما دعا «داندريا» للبحث عن وسائل بديلة لإرباك النظام الإيراني، وفي سبيل ذلك عقد عدة جلسات مع رئيس المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ المخططات سالفة الذكر، بتوجيه من جينا هاسبل مديرة الاستخبارات الأمريكية والمخرجة الرئيسية للعمليات الاستخباراتية بطهران، وأداة ترامب لتنفيذ سياسة «أقصى قدر من الضغط».
الحرس الثوري
على الجانب الآخر، لم تترك إيران فرصة الاستفادة من الإطاحة بصدام حسين في العراق، حتى شرعت المخابرات الخاصة بالحرس الثوري «IRGC» بتربية حلفاء مطيعين في بغداد، استغلت العديد منهم كوكلاء للتجسس على مواقع تمركز الجيش الأمريكي في الخليج، ويفتخر ذلك الجهاز الاستخباراتي أيضا بنجاحه في تفكيك العديد من شبكات التجسس التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، ويؤكد دائمًا على الدور الفعال لطائراته بدون طيار في حجب إمكانية سفن الأسطول الأمريكي الخامس في التجسس على طهران عن بعد.
وتجلى التفوق الاستخباراتي الإيراني على واشنطن بشكل كبير خلال فترة الحرب على داعش في سوريا والعراق ضد التحالف الأمريكي لمكافحة الإرهاب، ويظل التساؤل المطروح في ظل الظروف السابقة «هل ستؤدي الحرب الاستخباراتية لحرب حقيقية؟ أم أنها بديل للحرب الشاملة بين الطرفين؟»، لكن في أصعب الظروف لن يؤدي ذلك الصراع إلى الحرب، لعدة أسباب أهمها أن الإيرانيين –الطرف الأضعف- لا يمكن أن يرغب في فتح حرب غير متكافئة مع واشنطن، وعلى النقيض فإنه لا يمكن إنكار أن أمريكا منهكة من الحملات العسكرية التي شنتها على الشرق الأوسط منذ أحداث 11 سبتمبر، ولديها الكثير من الحوافز لتجنب وقوع حرب حقيقة مع طهران.
وبعيدًا عن خيار الحرب، فإن العمل السري يغري صانعي السياسة في البلدين، لأنه يعد مسارا أقل عدوانية لا يساوي التكاليف الكبرى للحرب، في حين يخشى الخبراء صناعة «عراقًا آخر» في الشرق الأوسط، أو تحول الصراع بين الطرفين إلى حرب هجينة كالتي شوهدت في أوكرانيا عام 2013م، وانتشرت خلالها المصادمات شبه العسكرية، لكنها في النهاية لم تتوج بصراع مسلح كامل.
لذلك يحرص الطرفان على الاعتماد على الأجهزة الاستخباراتية للحفاظ على المرونة، وتتبع طهران استراتيجية مهاجمة حلفاء الولايات المتحدة وليست الولايات المتحدة نفسها، وتمثل ذلك في احتجازها لناقلة نفط بريطانية، الذي أعقبه تصريح لوزير الخارجية البريطاني آنذاك جيرمي هانت، بأن بلاده تأمل في عودة الولايات المتحدة للاتفاقية النووية مع إيران لتهدئة التوتر.
تجدر الإشارة هنا أن الصراع الاستخباراتي بين وكالة المخابرات الأمريكية المركزية والمخابرات الإيرانية لا يعد جديدًا، وإنما يعود إلى عام 1935م، عندما شنت المخابرات الأمريكية والمخابرات البريطانية «MI6» عملية «Ajax»، للإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطيا وقتها، وبعد الإطاحة بنظام الشاه في عام 1979م، حاول الإيرانيون انتزاع ثأرهم وشنوا حربا بالوكالة لطرد عناصر الـ«سي آي إيه» من الشرق الأوسط، وفي عام 1983م، استهدفت القوات الموالية لإيران بلبنان السفارة الأمريكية في بيروت، مما أسفر عن مقتل عدد من موظفي وكالة المخابرات المركزية، ومع ذلك، فإنه لم يتم الربط بين الحكومة الرسمية الإيرانية وأي هجمات إرهابية استهدفت أهدافا أمريكية، بحسب دراسة أجراها مركز الأبحاث التابع للكونجرس عام 2017م، رغم المحاولات القوية لواشنطن في توجيه اتهام رسمي لطهران بالتورط في التخطيط لعملية اغتيال السفير السعودي بواشنطن، عام 2011م، ولكن الحكومة الإيرانية نفت تورطها، وتعرض إيرانيان للمحاكمة تمت إدانة أحدهم والأخر حصل على البراءة، ونفت إيران بشكل رسمي تورطها في الحادث.
"نقلا عن العدد الورقي..."