رئيس التحرير
عصام كامل

جريمة أب


قبل أيام؛ وقف الأب الشاب "وائل" أمام منزله بمدينة دمياط، يلعن سيرة داعيات قطع صلات الأرحام ومنظماتهن وأفكارهن الطائشة وإعلام يصر على تصديرها للمجتمع، بينما والده ينزف دما في واقعة اعتداء بلطجية عليه.


الشاب أب لطفلة ٧ سنوات ونصف وطفل ٤ سنوات؛ استهدف ووالده نحو ١٥ بلطجيا؛ أحرارا حتى الآن؛ رغم تحرير محضرين ضدهم بقسم شرطة دمياط ثان، بعد أن أصابوا الجد بنزيف داخلى وارتجاج في المخ؛ والأب الشاب بنزيف على الرئة وطعنات متفرقة بالفخذين والرأس والظهر.

تخيل أن اعتداء استعين خلاله ببلطجية مسلحين على مقربة من ٤ بنايات للشرطة بالمحافظة؛ كان بسبب قانون الرؤية العقيم الذي فرض على الأب ضرورة الحصول على حكم قضائي للقاء طفليه لمدة ٣ ساعات أسبوعيا داخل مركز شباب، رغم أن أمهما لا تزال على ذمته بعد عامين ونصف من النزاع.

وستدهش أن القشة التي تقصم ظهر البعير في حرب غير متكافئة مستمرة تهديدات المسلحين فيها حال عدم تنازل الأب والجد عن حقهما؛ ظهرت حين ارتكب الأب جريمة التفكير في حماية ابنته من عنف عائلي؛ سعى لإثبات آثاره على جسدها بمحضر رسمي قبل أيام، بخلاف حقه في إثبات أن شخصا غريبا هو من حضر بالطفلين إلى مركز الرؤية لتنفيذ الحكم القضائي الملزم للحاضن.

التحقيقات في الواقعة لا دخل لنا فيها ولا تعليق لنا عليها بالتأكيد؛ لكن ما يستحق تدخلنا هو إصرار المشرع على إبقاء الحال على ما هو عليه رغم علمه بواقعنا المأزوم؛ وتغييب رؤى مستنيرة لإصلاح قانون الأحوال الشخصية والأسرة؛ وإصرار المجالس النسوية ومعها مجلس الطفولة القائمة عليه نسوة منحازات بمواقفهن ورسائلهن لما تقره نظرية مكتسبات بعض النساء المستحدثة، والتي زادت المجتمع احتقانا وعنفا وأوجدت مناخا مؤهلا لمشروع طفل لن يعرف طريقه للمستقبل بعيدا عن العنف بالتأكيد.

استرجعت بيانا للأمين العام للمجلس القومى للأمومة والطفولة في فبراير الماضى تؤيد فيه مقترح مشروع قانون المجلس للأحوال الشخصية؛ وتدعى أنه يراعي المصلحة الفضلى للطفل استنادا للدستور والقانون والاتفاقيات الدولية، ومؤكدة أنها ليست مع "تعديل الرؤية بالاستضافة"، وكأن أصحاب القضية الحقيقيين على غير علم بدستورهم ومخالفة القانون العقيم للمواثيق الدولية التي تدعى اتفاق التشريع الداخلى معها ومطابقته لها.

الحادث الذي كاد الأب ومعه الجد يذهبان ضحيته قبل أيام؛ والبيان المنشور لأمينة المجلس قبل شهور؛ يمكن أن تستنتج معهما حقيقة مشروعات أكبر تديرها مجالس ومنظمات لا صلة كبيرة للقائمين عليها بأصحاب المعاناة؛ وهم كثر، فلا يقبل المنطق الحقوقي تصنيف المواطنين على أساس جنسهم أو التمييز فيما بينهم بالمخالفة للدستور تحت مزاعم الحماية المنحازة.

وقائع متكررة بشأن الرؤية كل جمعة؛ تجعلنا نتساءل: لماذا تترك الدولة أبناءها المختلفين بقانون الأحوال الشخصية العقيم؛ ينتقلون بسهولة تهورهم وبساطة لقاءاتهم الأسبوعية شبه المستحيلة؛ إلى محاكم الجنايات، استنادا لنظام الرؤية الأشد عقما؟

وزير العدل مطالب من موقعه السياسي بتقديم كشف حساب للشعب والقيادة السياسية؛ حول تكلفة تقاضي المصريين داخل محاكم الأسرة في دعاوى الطلاق والنفقات المتعددة؛ وما ينشأ عن الشقاق من خصومات أمام محاكم الجنايات بسبب تنظيم الرؤية الذي ابتدعه قرار معاليه طبقا لأحكام قانون أضر بالأسرة والطفل وأسقط هيبة عائلات محترمة.

كما أنه مطالب بتقدير موقف حكومة بأكملها حال سعت لتقديم مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية والأسرة والطفل من جانبها؛ لتقطع الشك باليقين تجاه مطالب الشعب في قانون عادل لا يعرف مكتسبات لطرف ولا انحيازات على حساب أمن الوطن والمواطن؛ وأن يدعم بموقفه جهة التشريع أو تقديم مشروعات القوانين في مواجهة "شطحات" كيانات لا يزيد دورها في التشريع عن كونها جهات استشارية لا تعبر بالضرورة عن كافة أصحاب المشكلة؛ مدعومة بإحصائيات مصطنعة في مراكز بحثية "عثمانية" الهوى والطابع.

واقعة الاعتداء على الأب الشاب والجد المسن؛ والآلاف مثلها؛ مدعاة لنجد خطوات أجهزة الدولة مجتمعة أسرع وأكثر اتساقا واستجابة لمطالب المصريين في إنجاز قانون ينقذ مشروع الزواج ونواة المجتمع الأسرة المصرية، قبل أن نفاجأ بتجارب مجتمعية جديدة لا تعرف الرحمة تقضي على ما تبقى لدينا من إنسانية.
الجريدة الرسمية