في دوري «بني شبل» .. «الكورة للجماهير»
دقيقة واحدة تعود بها إلى الوراء، وتحديدا حقبة الثمانينيات في العام الرابع منها، بينما كانت شاشات السينما تعرض الفيلم ذا المذاق الفريد والخاص، "الحريف" الذي قدم فيه دور البطولة الفنان عادل إمام وأخرجه المبدع الراحل "محمد خان" الخامسة والنصف من عصر الجمعة الماضية جماهير بملابس بسيطة وبعضهم يرتدي الجلباب والطاقية، دليلا وأثرا واضحا على انحداره من أصول ريفية، يصطفون بجوار بعضهم البعض، يشعرونك للوهلة الأولى بأنك تنظر إلى نموذج مصغر لملعب إستاد القاهرة، يقف "أشرف توفيق" معلق الملاعب الترابية، ممسكا بالميكروفون يقترب كلما احتدت المباراة من المدرجات الأسمنتية المحيطة بساحة اللعب، يعلن عن تسجيل فريق دوري النجوم هدفا في مرمى فريق "قرية بني شبل" بمحافظة الزقازيق.
مساء أمس امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بصورة، لساحة متوسطة المساحة لا تتعدى الـ 40 مترا مربعا، تابعة لمركز شباب قرية بني شبل بالزقازيق في محافظة الشرقية تجمع العشرات من أبناء القرية رجالا وشبابا وأطفالا وشيوخا، يتابعون افتتاح دوري القرية الذي انطلق في اليوم ذاته، ومن المفترض أن يستمر مدة شهر على التقريب، بحضور عدد من قدامى لاعبي فريقي الزمالك والأهلي، على رأسهم أحمد ناجي وسامي الشيشيني وطارق يحيى وطارق مصطفى وعبد الستار صبري وأسامة نبيه مدرب المنتخب السابق ومحمد صبري نجم نادي الزمالك، والناقد الرياضي إيهاب الخطيب يشاركان في المباراة الافتتاحية جنبا إلى جنب مع اثنين من لاعبي فريق القرية.
"إحنا شباب أبناء قرية بني شبل مركز الزقازيق، ستة شباب أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات، إحنا كنا عايزين نعمل حاجة كويسة للبلد، لأنه بلدنا مش معروفة قد كدة حاولنا نسعدهم بأي شكل، ولاحظنا أنه كل أبناء القرية بيحبوا كرة القدم، إحنا عندنا فرقة من الدرجة الرابعة لكن الإمكانات محدودة، كان لازم نستغل كل سنتيمتر في المكان وكل إمكانية مهما كانت نسبة ضعفها"، يتحدث محمد المصيلحي، رئيس اللجنة المنظمة للمباريات، التي انطلقت فعالياتها الجمعة الماضية.
كان أشرف توفيق مستمرا في أداء مهمته على أكمل وجه، الجالسون بعيدا والآتون من القرى المجاورة بعد انطلاق صافرة البدء، لم تسنح لهم الفرصة بالبقاء في الصفوف الأولى ومتابعة ما يجري على أرضية الملعب بين أبناء بني شبل وقدامى لاعبي الدوري المصري الممتاز، يعتمدون كليا على هذا الصوت الصادر من أمام الميكروفون، يزداد شغفهم ويعلو الهتاف كلما سجل أبناؤهم هدفا في مرمى نجوم الدوري المصري، البعض يحاول جاهدا تبيان الأمر، والتأكد من أنه يرى نجمه المفضل أمامه ليس خلف شاشة التلفاز فقط بضعة أمتار تفصل بينهما ودقائق قليلة وينتهي الشوط الأول فينزل من مدرجه الأسمنتي يلتقط معه الصور التذكارية، "الناس عندنا طيبة لما بيشوفوا حاجة زي كدة الفرحة مبتكونش سايعاها لو اتصوروا مع كابتن كرة قدم قديم كان كل ما في خيالهم إنهم يشوفوه في ستوديو تحليلي على شاشات التليفزيون. إحنا كل يوم لمدة شهر الدورة أو أقل من شهر، فيه ماتشين في اليوم بيبدأوا الساعة 5 وربع عصرا، قدرنا لحد دلوقتي نضم لجدول الدوري ده نحو 32 قرية تابعة لمحافظة الزقازيق وتحديدا القرى اللي حوالينا، عشان نقدر نسعد أكبر عدد من الناس".
دون مقابل وبدافع الحب والتقدير يأتي نجوم الدوري المصري الممتاز إلى قرية بني شبل، للمرة الثانية، حيث سبق ونظم مصيلحي رفقة محمد سمكة ومحمود التونسي وبقية أفراد لجنة التنظيم والمتابعة، دورة في عام 2017 كانت تقديرا لروح والد أحد أصدقائهم العاشق لكرة القدم، "حضر في دورة 2017 ودي كانت أول دورة يعملها وزير الشباب والرياضة والكابتن عصام الحضري وكابتن مؤمن زكريا وغيرهم، مصدقناش الإقبال والحفاوة ودقة التنظيم اللي كان الملعب يتسم به، الملعب أرضيته مكنش باين معالمها من كثرة الأعداد من القرية ومن القرى المجاورة لينا آلاف من أبناء القرى يكونوا حاضرين".
فبينما يزداد عدد الحضور كل يوم أكثر من سالفه خلال أيام الدورة، بطريقة لا تتناسب قطعا مع مساحة الملعب المحدودة وإمكاناته الضعيفة، تجد الجماهير تتراص بالدقة ذاتها، لا يمكن أن يعتدي شخص على مكان آخر، "هما نفسهم بينظموا الحضور، عملنا مدرجات من الأسمنت عملناها شبه السلالم وهما بييجوا ينظموا نفسهم في المدرجات دي. الماتش ده كان الجمعة الماضية الساعة 5 ونص عصرا، بدأوا يحضروا من بعد صلاة الجمعة، لأنه يوم إجازة، لكن في الأيام العادية بيكونوا موجودين من 5 وربع".
فبينما يزداد عدد الحضور كل يوم أكثر من سالفه خلال أيام الدورة، بطريقة لا تتناسب قطعا مع مساحة الملعب المحدودة وإمكاناته الضعيفة، تجد الجماهير تتراص بالدقة ذاتها، لا يمكن أن يعتدي شخص على مكان آخر، "هما نفسهم بينظموا الحضور، عملنا مدرجات من الأسمنت عملناها شبه السلالم وهما بييجوا ينظموا نفسهم في المدرجات دي. الماتش ده كان الجمعة الماضية الساعة 5 ونص عصرا، بدأوا يحضروا من بعد صلاة الجمعة، لأنه يوم إجازة، لكن في الأيام العادية بيكونوا موجودين من 5 وربع".
لم يكن هدف محمد وفريقه المنظم لدوريات الدرجة الرابعة التي تحتضنها ساحة ملعبهم بالقرية، إلا رسم البهجة على نفوس الطيبين من أبناء القرية، وانتزاعهم بعيدا عن روتين العمل اليومي، فلم يستعينوا بأية جهة رسمية لمدهم بالأموال وما يحتاجونه لإعادة إحياء الملعب من جديد، بعد أن شهد سنوات من الإهمال حولته تدريجيا إلى مقلب قمامة ومأوى للحيوانات الضالة بالقرية، "الملعب قبل ما نهتم بيه كان دائما بنشوف كمية إهمال رهيبة فيه هو في محيط منازل طول الوقت فيه قمامة بتلقى، قبل الدورة بأسبوع بنظبطه ونجيب لودر ونشيل التراب ونزينه ونفرشه بالرملة"، قبل انطلاق المباراة الافتتاحية بقرابة أسبوع يجتمع محمد وفريقه وبعض أبناء القرية يذهبان إلى الملعب في جولة تفقدية لمعرفة ما ينقصه من تجهيزات حتى يصبح صالحا لإقامة المباراة على أرضه، "الناس بتيجي من قرى كثيرة حولنا والأعداد محدش يقدر يحددها ولا يتوقع ممكن توصل لكم شخص، لذلك كل همنا طول الوقت يكون الملعب مهيأ"
اقتربت الساعة من السادسة، وصفارة النهاية يطلقها حكم المباراة، بينما يخبرهم المعلق أيمن بانتهاء المباراة 4-3 لصالح فريق دوري النجوم، تتعالى الصيحات والهتافات ويبدأ الجالسون عند المدرجات بالنزول إلى أرضية الملعب، يجري أيمن معهم لقاءات مسجلة تذيعها القناة الخاصة بفريق القرية، يهرول البعض بحثا عن لاعبه المفضل، في محاولة للوقوف بجانبه أثناء تسجيل اللقاء من قبل توفيق، "أشرف توفيق معلق المباراة من أبناء القرية وبيعلق في كل الدورات بمقابل مادي بسيط، كل دورات الأرياف بيجيبوه، بيقف في أرضية الملعب ويعلق ويعمل لقاءات بين الشوطين".