رئيس التحرير
عصام كامل

"وهم" كليات القمة !


كريمة أحد أصدقائنا تخرجت في كلية الصيدلة جامعة المنصورة، بتقدير جيد جدًّا، مع مرتبة الشرف، ويبحث لها عن فرصة عمل، على الفور اتصلت بصديق صاحب شركة أدوية، ظنًّا مني أنني أقدم له هدية غالية جدًّا، طبيبة صيدلانية حاصلة على البكالوريوس بتفوق. 


ولكنه صدمني حينما قال لي: إنه ليس في حاجة إليها، بل في أشد الحاجة إلى عمال فنيين، فما أكثر الصيادلة في مصر، وقريبًا سوف يجلسون على المقاهي بلا عمل، مثل كليات التجارة والحقوق والتربية والآداب وأصول الدين واللغة العربية والشريعة والقانون وغيرها من الكليات النظرية والمؤهلات المتوسطة، ثم استطرد قائلًا: إن دفعته في كلية الصيدلة سنة 1980 كانت 100 طالب واليوم 1500، لا يأخذون فرصتهم في التعليم والتدريب الجيد.

بعد انتهاء المكالمة، بدأت أفكر فيما سمعت، وبحثت اكتشفت ما هو أخطر، حيث يوجد لدينا 43 كلية صيدلة منها 22 كليه تابعة لجامعات حكومية.. 3 لجامعة الأزهر، و21 لجامعات خاصة، تخرج عشرات الآلاف سنويا، وعدد الصيادلة في مصر حاليا 216072، بمعدل صيدلي لكل 438 مواطنًا، بزيادة أربعة أضعاف عن المعدل العالمي.

وعدد الصيدليات 75165، بمعدل صيدلية واحدة لكل 1261 مواطنًا، بما يقترب من ثلاثة أضعاف المعدلات العالمية (هذه البيانات صحيحة ومصدرها وزارة التعليم العالي)، ولدينا فقط 156 شركة أدوية، كلها في المناطق الصناعية حول القاهرة والجيزة!

إذن، أين يعمل الصيادلة؟! ولماذا تمت الموافقة على إنشاء كليات صيدلة بهذا العدد الكبير؟! وليست الصيدلة فقط بل أين يعمل خريجو الاقتصاد والعلوم السياسية؟! والإعلام، وكثير من تخصصات الهندسة، وأين يعمل خريجو كليات العلوم والألسن والعلاج الطبيعي؟! 

وكل هذه كليات قمة كما يطلقون عليها، إنها وهم كبير، بل أين يعمل الحاصلون على الماجستير والدكتوراه من غير أعضاء هيئة التدريس بالجامعات؟!

إذن ما هو الحل؟! منذ سنوات كثيرة نقول وغيرنا إن الحل في التعليم الفني والتكنولوجي.. يجب من الأمس قبل اليوم، ومن أجل مستقبل هذا البلد، لابد من توجيه 80% على الأقل من طلاب الإعدادية إلى التعليم الفني، ويكفينا 20% يلتحقون بالكليات العملية أو النظرية، على أن تتحمل الدولة فقط تعليم المتفوقين منهم على نفقتها.

نحن اليوم نعاني من أجل العثور على كهربائي جيد أو سباك وميكانيكي ونجار وغيرها من الحرف، وأيضا المصانع والورش تعاني عجزًا شديدًا في العمالة الفنية الماهرة المدربة، حتى الشركات العالية لا تهتم بالمؤهلات لكن بالخبرات، وتفضل المهارة على الشهادة. 

كليات القمة "وهم" كبير يهدد مستقبل التعليم في بلدنا، ويدمر ميزانية الأسر المصرية بسبب الدروس الخصوصية من أجل المجموع الكبير، فكل درجة حصل عليها الطالب كلفت أسرته آلاف الجنيهات، وفي النهاية يكون مصيره الشارع، لأن التعليم وسوق العمل في طريقين مختلفين تماما لا رابط بينهما.

هذا العام، وكل عام، أسمع مآسي من مواطنين حصل أبناؤهم على 97% في الثانوية العامة، وللأسف لن يلتحقوا بكليات القمة "المزعومة" بالجامعات الحكومية، بسبب تنسيقها العالي، ولا في الجامعات الخاصة بسبب رسومها المرتفعة.

كنت، ومازالت، أتمنى أن تكون هناك حلول جراحية حقيقية، ونبدأ فورًا في تنفيذها من خلال تغيير نظرة المجتمع للتعليم الفني، والتوسع في إنشاء المدارس الملحقة بالمصانع، والاستفادة من التجارب الناجحة للدول المتقدمة.
والله الموفق والمستعان
egypt1967@Yahoo.com

الجريدة الرسمية