رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة يوليو.. والحقد على "عبدالناصر" !


كل عام تبدأ حملة منظمة من أعداء ثورة 23 يوليو في الهجوم على الزعيم "جمال عبدالناصر" قبل ذكرى الثورة، تختلف الأسباب ولكن الهدف واحد، وفي تقديرى ليس هناك ما يسمى بالناصرية، ولكن هناك تجربة 23 يوليو، لأننا لو اختزلنا كل التجربة في "جمال عبدالناصر" فسيكون ذلك ظلما لرجال كثيرين حملوا أرواحهم على أكفهم ليلة 23 يوليو 1952..


ثانيا: معظم ما نراه من حملة ممنهجة كلام سطحى يغلب عليه السذاجة، ودخلت في حوار للأسف مع إعلامية فكان ردها، اصل اونكل قال.. وطنط قالت!

 ثالثا: هل مثلا ممكن أحكم على تجربة يوليو بسبب عزل محمد نجيب أو اعتقال فلان، أو التحفظ على محمد فوزى؟!

رابعا: دائما الناس الفاهمة قوى ومثقفة قوى يقولون: أصل الثورة ألغت الأحزاب، ومفيش ديمقراطية!.. فعلا ثورة يوليو ألغت الأحزاب.. ولكن الوهمية الورقية التي كانت تعتمد فقط على الباشوات ورجال الملك، وجميعهم تحالفوا مع المحتل، وتعاملوا معه كحاكم حقيقى للبلاد، وسؤالى بعد رحيل "جمال عبدالناصر" بتسعة وأربعين عاما ما هو الحال الآن؟!

نصف قرن على اختفاء "عبدالناصر" ورجاله، وانتهاء ثورة يوليو في 28 من سبتمبر 1970، ماذا حدث؟! أين الديمقراطية والأحزاب وتبادل السلطة، بالرغم من أن الدستور تغير كثيرا، وكلها كانت مساندة لانفراد من يجلس على كرسى الحكم مدى الحياة، فهل أصبحت الحريات وحركة الأحزاب وتداول السلطة أمرا واقعا في واقعنا السياسي، أعتقد لم يحدث أي تقدم في الحياة السياسية مطلقا، بدليل اختفاء بعض الأحزاب تماما، وانزواء الآخر في طى النسيان، وسلملى على المترو..

لا أدرى سببا كلما تحدث البعض عن الديمقراطية والحريات، تأتى أمامي صورة هتلر الرجل الذي أشعل العالم بحرب عالمية خلفت الملايين قتلى والملايين مشوهين، ودمرت الأخضر واليابس. هذا الهتلر جاء بانتخابات حرة ديمقراطية! والحرية جاءت بالإخوان المسلمين.

 لست ضد الحريات والانتخابات الحرة، ولكني أيضا مع تنمية الوعى حتى يعرف المواطن كيف يختار صح؟!

أتصور أنه لابد أن يكون الحوار علميا بين المتحاورين، وأن يكون حضاريا، ولابد من احترام الرأى الآخر، ولكن الأمور عندنا تأخذ شخصنة القضايا العامة، وهذه كارثة والطائل منها لا شىء!

من أصعب المواقف في عمر ثورة 23 يوليو هو نكسة يونيو 1967، كيف تعاملت الدولة في ذلك الوقت مع هذه المصيبة؟! لم يتوقف أي مشروع في مصر كان قد بدأ العمل في إنشائه، واستطاعت مصر استكمال بناء السد العالى الذي اختير كأعظم مشروع هندسى في القرن العشرين، وتم إعلان الانتهاء منه تماما في 23 يوليو 1970، وكان هو مصدر إنارة 75% من كهرباء مصر..

تم بناء مصانع الألومنيوم وهو مشروع عملاق تكلف ثلاثة مليارات جنيه(9 مليارات دولار على الأقل في ذلك الوقت)، وبالرغم من النكسة فإن مصر وصل معدل التنمية في عامى 69،70 إلى 8%، وكان هناك لأول مرة في تاريخ مصر فائض في الميزان التجارى 47 مليون جنيه في عام 69، وكانت أيضا آخر مرة يحدث فيها وجود فائض في الميزان التجارى المصرى!

أقول للأجيال الحالية ، والتي تسمع أن السد العالى دمر الأرض وحرمها من الطمى، وأن توزيع الأرض على الفلاحين أفسد الزراعة، هل تعلموا أن الرقعة الزراعية زادت بنسبة 15 % في نهاية الستينيات؟ هل تعلمون أن السد العالى قدم لمصر الكهرباء، ونظم الزراعة، وحماها في نهاية الثمانينيات من الجفاف عندما نضبت المياه في نهر النيل وأفريقيا؟

هل يعلم الذين يرددون شتائم وقوالب سياسية فارغة أن مصر كانت تلبس فعلا من صنع مصانعها بدءا من الرئيس "جمال عبدالناصر" إلى أصغر مواطن، والجميع كان فخورا بذلك، ليس الملابس فقط بل أجهزة كهربائية وأثاث وغيرها من صنع مصر بحق، ربما لا يعرف البعض أن مصر في عهد الزعيم "جمال عبد الناصر" تم بناء أكثر من ألف ومئتين مصنع منها مصانع ثقيلة، ومنها مصانع تحويلية وإستراتيجية، وكانت أكبر قاعدة صناعية في العالم الثالث، وكان الجنيه المصرى بثلاث دولارات ونصف الدولار، ويساوى أربعة عشر ريـالا سعوديا، وسعر الجنيه الذهب بأربعة جنيهات، وكانت ديون مصر مليار دولار للروس ثمن أسلحة تم التنازل عنها، ولم تدفع مصر مليما، ذلك في عام 70 عندما رحل جمال عبد الناصر!

الحقيقة أن ما ذكر سطور قليلة من تجربة 23 يوليو التي لم تغير وجه مصر فقط بل العالم، ولا ننسى  أنه بفضل التعليم المجانى انخفضت الأمية من 80% إلى 50%، وتعليم يوليو هو الذي صدر للعالم "مجدى يعقوب" و"زويل" و"مصطفى السيد" و"فاروق الباز"، وفى عهد "عبدالناصر" تم إنشاء مدينة البعوث لاستقبال عشرات الآلاف من الطلبة للدراسة في الأزهر..

وتم إنشاء التليفزيون وإذاعة القرآن الكريم، وتأميم قناة السويس، وتأسيس حركة عدم الانحياز مع "تيتو" و"نهرو" و"سوكارنو"،  وتم دعم كل ثورات التحرر في أفريقيا، وخاضت مصر أعنف حرب بعد النكسة وهى حرب الاستنزاف..إلخ، ولا يمكن أن نغفل أنه في ظل حياة "عبدالناصر" لم تكن في أفريقيا كلها سفارة واحدة للكيان الصهيونى!

الحديث عن التجارب المعمقة والمؤثرة لا يمكن أن يكون لحادث فردى قد يحدث هنا أو هناك، ثورة لا تزال مختلف حول دعمها، وإرسال الجيش المصرى للحرب، نكسة 67 لا تزال دماء أبنائنا تصرخ فينا، ولن تهدأ إلا بعودة بيت المقدس.

ثورة 23 يوليو 52 انتهت في 28 سبتمبر 1970، تجربة علينا أن نتدارسها بأسلوب علمى، ليس لنعيد أحداثها ولكن لنتعلم من تاريخنا.
وتحيا مصر بعرق ودماء ابنائها البسطاء الطيبين.. وتحيا مصر
الجريدة الرسمية