رئيس التحرير
عصام كامل

مشيرة خطاب : "عمر البشير" أسوأ رئيس بتاريخ السودان ويتحمل جُرم تقسيم بلاده وتفككها

فيتو




  •  ترامب.. "طايح" في خصومه ويتعامل معهم بعقلية "رجل الأعمال"
  •  الشعب الأمريكي هو من يحدد مصير رئيسه في الانتخابات المقبلة
  •  الحرب العالمية الثالثة "مُحتملة".. وجميع الأطراف خاسرة
  •  الإخوان يتنفسون كذبا.. ووصولهم إلى الحكم كشف ضعفهم وهوانهم وانتهازيتهم
  •  القوة الناعمة المصرية تعرضت للتغييب المتعمد والتشويه الممنهج من جانب التيارات المتشددة



هي واحدة من سيدات الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط، وواحدة من أبرز السيدات الناجحات في مصر، عرفت النجاح والتميز مبكرًا، فتخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قبل 52 عامًا بتقدير «امتياز مع مرتبة الشرف»، تدرجت في السلك الدبلوماسي وعملت سفيرة لمصر في دول عدة، من بينها: تشيكوسلوفاكيا وجنوب أفريقيا، تنقلت في العديد من المراكز والمناصب المهمة، تم استوزارها أكثر من مرة، وهي ثاني سيدة تتولى منصب وزير الدولة لشؤون الخارجية، اختيرت كـ"ثالث أعظم ناشطة حقوق إنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" ضمن 5 أخريات في ديسمبر 2013، نالت العديد من الأوسمة والتكريمات، منها: وسام فارس الصليب الأعظم من رئيس الجمهورية الإيطالية عام 2010، ووسام كومنداتوري الجمهوري من رئيس الجمهورية الإيطالية عام 2007 ووسام الرجاء الصالح من رئيس جمهورية جنوب أفريقيا عام 1999، خاضت معركة مهمة على منصب "المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة المعروفة اختصارًا بـ"اليونسكو".
ورغم هذه السيرة الذاتية الحافلة إلا أن الحديث مع السفيرة "مشيرة خطاب" يبدو شيقًا وممتعًا، ليس فقط بسبب إجاباتها الحاضرة ومعلوماتها الوافرة، ولكن الأهم من ذلك كله بساطتها وتواضعها وروحها الطيبة، وهي سمات لا تتكرر كثيرًا مع من طافوا العالم وتقلدوا المناصب الرفيعة مثل ضيفتنا الكريمة التي تحدثت سياسيا ودبلوماسيا وتاريخيا حديثا لا يخلو من جرأة وصراحة، فإلى نص الحوار..

معركة اليونسكو وتداعياتها وما بعدها
سألتها في البداية عن الأسباب الحقيقية لخسارتها انتخابات "اليونسكو" قبل عامين، فلم تمتعض أو تجد حرجًا، ولكنها بادرت مُجيبة: "الخسارة وراؤها أسباب سياسية في المقام الأول". قاطعتُها: كيف؟ فأردفت: "هناك إصرار عالمي على ألا يتولى شخص مصري أو مسلم أو عربي هذا المنصب في هذا التوقيت"، قاطعتُها مُجددًا: ما دليلك؟ فأجابتْ: "هناك علامات واضحة للغاية؛ انتخابات اليونسكو كانت في أكتوبر 2017، وفي ديسمبر من نفس العام، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القدس عاصمة إسرائيل، اليونسكو معنية بملف التراث الثقافي في القدس وحق الفلسطينيين في تراثهم، ومشكلة قيام إسرائيل بتغيير معالم هذا التراث والاستيلاء على بعض الأماكن وهدم بعضها، هي قضية مثارة وأحدثت انقساما وتصدعا في المنظمة. أثناء الحملة لانتخاب مدير عام اليونسكو كان هناك ترويج وتخويف من وصول امرأة مسلمة عربية للمنصب، بعض منافسينا روجوا أنه إذا فازت مشيرة خطاب بالمنصب، فإن الإسلام المتطرف سيتحكم في اليونسكو، قمنا بحملة أكثر من رائعة على جميع المستويات، ولكن كل ذلك لم يعنِ شيئا لمن يدّعون أنهم يحرصون على إصلاح المنظمة، الدول العربية لم تتوحد والجامعة العربية لم تستطع أن تعقد اجتماعا لاختيار مرشح عربي واحد".

التقطت "خطاب" كوبًا من الماء، ارتشفت منه قطرات قليلة ثم تابعت: "وقت ترشح الوزير فاروق حسني لمنصب مدير عام اليونسكو كان هو المرشح العربي الأفريقي الوحيد، ومع ذلك كان هناك تكتل ضده؛ حتى لا يحصل على المنصب، الخصوم والمنافسون استغلوا عبارة عابرة حتى يحرموه من هذا المنصب، وأنا استوعبت هذا الدرس، وكدبلوماسية متمرسة كنت حريصة ألا أتفوَّه بكلمة تُحسب عليَّ. وبفضل خبراتي الدبلوماسية والعملية في مجال التنمية البشرية وحقوق الإنسان، عملت "إنترفيو" أكثر من رائع، والرئيس عبد الفتاح السيسي تفضل مشكورا وأعلن في مؤتمر الشباب "ندعم مشيرة خطاب"، وهذا شرف كبير لي ولمصر، كانت جميع فعاليات الحملة تهدف لترويج الدولة المصرية، وليست لترويج مرشح بعينه، كسبنا المعركة الانتخابية في اليونسكو رغم أننا لم نحصل على المنصب، وهو ما يظهر قوة مصر الناعمة، قدمنا مصر بأحسن صورة وبشهادة الجميع، ما زلتُ حتى اللحظة ممتنة لدعم الرئيس السيسي لي، وهو يعكس احترامه للمرأة المصرية والتمكين لها عمليًا".

قلتُ لها: هل تقصدين أن هذا المنصب حصريٌّ فقط على الدول الأوروبية دون غيرها؟ فصمتتْ قليلًا، ثم أجابتْ: "الدول العربية لم تحصل على هذا المنصب أبدا، وهذا يخالف قواعد الديمقراطية، خاصة في حالة "اليونسكو" التي تعاني تسييسًا بغيضًا، هناك إجماع دولي على احتياجها للإصلاح الجذري، والإصلاح لا يتجزأ، نظام الأمم المتحدة يقوم على التوزيع الجغرافي العادل، نظرة متأنية لتاريخ اليونسكو تكشف هيمنة الدول الغربية على المناصب القيادية فيه، وفيما يخص قطر فهي تريد الظهور وتدفع أموالا كثيرة لليونسكو وتنفذ برامج في المنظمة، والمرشح القطري كان يحصل على أعلى الأصوات، وظللتُ أنا في المنافسة والصعود بالأصوات إلى أن تعادلت مع المرشح الفرنسي، وكان هذا إنجازا كبيرا نظرا للوضعية الخاصة لفرنسا داخل منظمة اليونسكو، ولو حصلتُ على صوت واحد لاختلفت النتيجة تماما، ولا ننسى أن دول الفرانكوفونية الأفريقية تدين بالولاء أيضًا لفرنسا، وكان هناك تحالف واضح وظاهر بين فرنسا وقطر".

قبل أن نطوي ملف "اليونسكو" سألتُها: هل يمكن أن تترشح "مشيرة خطاب" مجددًا على هذا المنصب في قادم الأيام؟ فبادرت بالإجابة: "بالتأكيد لن يحدث، هذه مرحلة ومرت بحلاوتها ومرارتها.. أركز الآن على خدمة وطني في الداخل، لا يوجد أفضل من العمل في خدمة وطن أعطاني الكثير، وسوف أظل مدينة بالكثير له ما حييتُ".

القوة الناعمة.. تغييب متعمد أم حضورٌ باهتٌ؟
ومن الحديث عن "اليونسكو" إلى الحديث عن القوة الناعمة المصرية، وعما إذا كانت تعاني تغييبًا مُتعمدًا أم أن حضورها هو الذي صار باهتًا، كان المحور الثاني في الحوار مع السفيرة "مشيرة خطاب"، التي عقَّبتْ بقولها: "العصور التي تألقت فيها الدولة المصرية هي التي ترعرعت فيها قوتها الناعمة، السنوات الماضية شهدت عملية ممنهجة لتشويه الثقافة المصرية تدريجيا، كما نشطت تيارات تعمدت صرف اهتمام الشعب وخاصة الشباب عن الهوية المصرية، وعن عناصر قوتهم الأصلية بأمور هامشية جانبية ظلامية تشدنا لعصور سحيقة وتضرنا ولا تنفعنا، هناك من نجح في التشويه، الضعف في القوة الناعمة حدث على مدى عصور طويلة بأسلوب التسلل، في غفلة من القائمين على الأمر وانشغالهم بأمور أقل أهمية، القوة الناعمة عبارة عن ثقافة مجتمع، ولكن كان هناك تشويه لهذه الثقافة، عدم الحنكة في التعامل مع العدو الخفي هو أحد أسباب الضعف، كان يتعين علينا أن ندرك أن هذا العدو يختلف عن العدو التقليدي بجيوشه النظامية وغيره، كان لدينا عدو يستهدف العقل والفكر في المقام الأول، تسللت التيارات التي تستخدم الدين لأسباب سياسية نجح باستغلال الربيع العربي ووصلت إلى السلطة، وفشلت فشلًا ذريعًا.. اليوم نستعيد القوة الناعمة، الرئيس عبد الفتاح السيسي يبذل جهودًا خارقة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، لذا أنا على يقين من أن مصر سوف تستعيد قوتها الناعمة خلال فترة قصيرة جدا".

الإخوان.. والعالم
انتقلنا من الشأن المحلي إلى الشأن العالمي، فسألتُها: متى سيعلن العالم أن الإخوان إرهابية وخاصة أمريكا وبريطانيا؟ ففكرتْ مليًّا مع ابتسامة ساخرة قبل أن تجيب: "كل دولة لها قوانين وتوازنات قوى تحكم سياساتها، ولا بد أن نعترف بأن جماعة الإخوان تمتلك آلة إعلامية قوية جدا على مستوى العالم، وتمتلك قدرة على التغلغل والإقناع، بدليل أن بعض الدول استغرقت وقتا كبيرا حتى تصنفها "جماعة إرهابية"، على سبيل المثال عندما قامت ثورة 30 يونيو، وطردهم الشعب المصري من الحكم، كان أول إجراء قاموا به هو إسناد مهمة التواصل مع العالم الخارجي إلى "جهاد الحداد"، وأشاعوا من خلال آلتهم الإعلامية الكاذبة تعرضهم للظلم والاضطهاد".

سألتُها: وكيف ترين العلاقات المصرية الأمريكية في الوقت الحالي؟ فأجابت: "هناك علاقات استراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من نقاط الخلاف التي تدور أساسا حول القضية الفلسطينية، فإن هذه العلاقات لم تتراجع وهناك مصالح مشتركة بيننا، ويتعين أن ندرك أنه في العلاقات الدولية لا يوجد تطابق في الرؤى والمصالح، والسياسة الخارجية لا تحكمها العواطف، هناك نقاط اتفاق ونقاط اختلاف، الولايات المتحدة هي القوة العظمى في العالم، ومصر قوة إقليمية كبيرة لا يُستهان بها، تتميز بقوة تأثيرها التي تتخطى حدودها إلى المستويات الإقليمية والعالمية التي لا يستهان بها، هناك مصالح في توطيد العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، وستبقى نقاط اختلاف بيننا وبينهم، ولكن الدبلوماسية تقوم على تعظيم المصالح المشتركة وتحجيم نقاط الاختلاف وألا يتسبب هذا الخلاف في انتقاص المصالح بيننا".

سألتها: كيف تتابعين الأحداث المتلاحقة على الساحة في منطقة الشرق الأوسط؟ فأظهرت امتعاضًا ممزوجًا بالأسف، قبل أن تجيب: "أحداث لا تسر، أحداث السودان مؤسفة، وكنت أرى أن عمر البشير أسوأ رئيس حكم السودان، وهو من يتحمل جُرم تقسيم السودان، كما أرجو أن نضع نهاية للتدخل الأجنبي في سوريا والحرب في سوريا هي حرب بين الدولة المدنية وجماعات تسعى للسيطرة ومدعومة من جهات خارجية وتمثل مصالح هذه الجهات، أتمنى أن نرى نظاما ديمقراطيا قويا في سوريا؛ نظرا لأن سوريا دولة كبيرة وشعبها عظيم يستحق أن يعيش في أمن ورخاء، وقد رأينا عظمة الشعب السوري فيمن وفد إلينا هربا من الأحداث في بلادهم.

قلت: هذا يدفعني إلى أن أسألك عن رأيك في "ثورات الربيع العربي"؟ فأردفتْ: "أتمنى أن تكون الرسالة وصلت من الربيع العربي وهي أن الشعوب لها حقوق يجب أن تحترم، وأن الشعوب لا تخرج لتحتج إلا تحت وطأة المعاناة".

الحرب العالمية الثالثة
سألتها: في ظل اتساع دائرة الصراعات والتلاسن العالمي المصحوب بالتهديدات.. هل تتوقعين وقوع حرب عالمية ثالثة؟ فبدت مترددة قبل أن تجيب: "أتمنى ألا يحدث، عانينا ما يكفينا من الحروب الإقليمية التقليدية وغيرها، التي استنزفت موارد كبيرة تحتاجها الشعوب في التنمية، ومشتريات السلاح بسبب الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية، استنزفت موارد كان يمكن توجيهها للصحة والتعليم والفنون والآداب، وبدلا عن ذلك ذهبت إلى مصانع الأسلحة ودعمت اقتصاديات الدول المنتجة للسلاح في العالم".

قاطعتها: إذن.. كيف ترين التهديدات الأمريكية المتكررة لإيران؟ فأردفتْ: "الجميع خاسر من الحرب، أمريكا أعلنت أنها خرجت من الاتفاقية الموقعة مع إيران، مثلما أعلن ترامب أنه لن يسدد حصته في ميزانية الأمم المتحدة، والسؤال هو: إذا كانت أمريكا أقوى وأغنى دولة لا تفي بالتزاماتها المقررة للأمم المتحدة، فماذا عن الدول الصغرى ورغم أن أمريكا على الدولة العظمى؟!
سألتها: إذن.. ما رؤيتك لتوتر العلاقات الصينية الأمريكية على العالم؟ فأجابت: "ما يحدث الآن هي حرب تجارية في المقام الأول بين أمريكا والصين، هناك اتفاقيات وقواعد تم توقيعها ويجب أن تُحترم، ويجب ألا تتصرف أمريكا وكأنها القوة الوحيدة في العالم وقرارها هو القرار الوحيد، ترامب هو الذي قرر أن يشن حربا ضد الصين، لكن الصين ستدافع عن نفسها، وهي القوة الثانية وأكبر مستهلك للطاقة على مستوى العالم".

رئيس بدرجة "رجل أعمال"
سألتها: منذ بداية الحوار.. بدا حديثك غاضبًا عن "ترامب".. فكيف تتوقعين مستقبله السياسي، هل يفشل في الانتخابات الرئاسية المقبلة مثلًا؟ فأجابت: "الانتقادات الموجهة لـ"ترامب" أكثر من الانتقادات التي وُجهت لأي رئيس سابق في الولايات المتحدة، العلاقة بين ترامب والإعلام ليست طيبة وتعد الأكثر توترا بين رئيس الجمهورية والإعلام في تاريخ أمريكا، خصومه يرون أنه يخاطب الدول بعقلية رجل الأعمال، هو "طايح" في خصومه بشكل مستفز، فترة حكمه شهدت عددًا غير مسبوق من الاستقالات، كل هذه عوامل قد يستخدمها خصومه للتدليل على أن فرصه لن تكون كبيرة، لكن مؤيديه يقولون أنه حقق إنجازات عظيمة في المجال الاقتصادي.. وإجمالا فإن حظوظ ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة سيحددها الشعب الأمريكي وليست أطرافًا أخرى".


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية