في الذكرى الأولى لمقتل الأنبا أبيفانيوس.. من ساحة الدير إلى «المشنقة»
اليوم عادي، لم يعلن عن تغييرات طارئة عن الروتين المعتاد، المقدمات لم تشر إلى نتائج مختلفة، الكل يعرف دوره جيدا، الأجندة معدة مسبقا، لم يخطر ببال أحد أن حدثا جللا قد يحدث...
الظلام ما زال يحط على الأرض، يستيقظ الرهبان واحدا تلو الآخر، يهندم كلٌّ منهم ملابسه، استعدادا للصلاة، خرجوا دون تنظيم، متجهين إلى كنيسة الدير، طقوس رئيس الدير لا تختلف كثيرا عن بقية الرهبان، خرج من مكان إقامته «قلايته»، دون خيانة، سار في طريقه المعتاد رافعا قلبه إلى ربه يناجيه، قبل أن تسقط آلة حادة فوق رأسه من الخلف لتنهي حياته...
لم يقطع الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، سوى مئة متر، حتى التقى القدر، الذي كان متربصا ومختبئا بين ظلمات الليل، لينهال عليه بآلة حادة، فوق رأسه من الخلف ليسقط غارقا في دمائه، وتصعد روحه إلى بارئها..
واقعة مقتل الأنبا أبيفانيوس، تعتبر أحد أقوى الأحداث التي شهدتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهزت أروقتها، فتحت المجال للاتهامات، وهالت التراب عن صراعات مكتومة، بدأت تصعد على السطح، عززتها الغموض الذي أحاط بالواقعة المشؤومة..
ألقى الحادث حجرا في المياه الراكدة خاصة أن الدير المنسوب إلى الأنبا مقار الكبير، وهو تلميذ للأنبا أنطونيوس الكبير مؤسس الرهبانية المسيحية، يعرف عنه الهدوء، وامتاز رهبانه بشغفهم الكبير بالدراسة، والبحث في الكتاب المقدس، أسوة بالأب الروحي متى المسكين.
الطب الشرعي كشف أن سبب الوفاة التعدي على الضحية بآلة حادة، أحدثت تهشما في مؤخرة الرأس وخروج أجزاء من المخ على الأرض.
خلال سير التحقيقات أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اعتماد البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قرارًا رسميًا بتجريد الراهب أشعياء المقاري من رهبنته وعودته لاسمه "وائل سعد تواضروس"، قبل أن تنفي علاقة قرار الشلح بواقعة مقتل رئيس الدير.
لم تمر ساعات حتى أقدم الراهب فلتاؤس المقاري، على الانتحار، بقطع شريان يده، وإلقاء نفسه من أعلى مبنى مرتفع بالدير، وبعدها تداولت أنباء عن محاولة انتحار الراهب أشعياء المقاري أيضا بتناوله مادة سامة.
توقيت محاولة انتحار الراهب فلتاؤس المقاري، وما أحيط الحادث من غموض، جعله قريبا أيضا من دائرة الاتهامات، خاصة بعد استعلام النيابة عن حالته.
قررت نيابة وادي النطرون التحفظ على الراهب المشلوح أشعياء المقاري، على ذمة التحقيقات، بعد محاولته الانتحار، إثر قرار المجلس الكنسي والكنيسة من تجريده من رهبنته وعودته لاسمه العلماني وائل سعد تواضروس، وإحالته للطب الشرعي لبيان ما به من إصابات.
منتصف أغسطس، قررت نيابة استئناف الإسكندرية حبس الراهب المشلوح أشعياء المقاري، 4 أيام، على ذمة التحقيقات، ووجهت النيابة العامة لوائل سعد تهم قتل الأنبا أبيفانيوس، واعترف المتهم أمام فريق البحث الجنائي بجريمته، وأرشد عن أداة الجريمة، وهي آلة حادة "قطعة حديدة" الذي عثر عليها بمخزن للخردة بالدير، وجرى استخدامها في عملية قتل الأسقف بضربة واحدة فوق الرأس، وأحيل المتهمون إلى المحاكمة الجنائية.
وبعد مداولات وتوجيه تهمة القتل العمد للراهبين أشعياء المقاري وفلتاؤوس المقاري، وقضت محكمة جنايات دمنهور يوم الأربعاء 24 أبريل 2019 بإعدامهما شنقًا بعد إحالة هيئة المحكمة أوراقهما إلى مفتي الجمهورية في شهر فبراير 2019.
يذكر أن رهبان دير الأنبا مقار بوادي النطرون، أحيوا اليوم الجمعة، الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس دير أبو مقار بوادي النطرون، والذي قتل في يوليو العام الماضى.
وشارك في قداس التأبين عدد من أساقفة المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ورهبان وكهنة وشعب الكنيسة، خاصة أن الرهبان دعو محبي الدير للحضور.
وأصدر الدير كتابا حمل عنوان "الأنبا أبيفانيوس الذي أحب الرهبنة"، يرصد حياة الأنبا أبيفانيوس الرهبانية، وكيف عاش مخلصا لها.