رئيس التحرير
عصام كامل

"مصر بعد القرض".. إشادة دولية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي..ومطالب بتحركات جادة لتحقيق طفرة استثمارية.. التدفقات النقدية تعصف بالدولار.. و"انتفاضة الجنيه" تبشر بمستقبل أفضل

صندوق النقد الدولي
صندوق النقد الدولي

ماذا بعد انتهاء قرض صندوق النقد الدولي؟.. سؤال عريض يحتاج إلى إجابة نموذجية، سواء من جانب حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، التي شهدت الحصول على الشريحة الأخيرة من الصندوق الذي بلغت قيمته 12 مليار دولار، أو من جانب رجال الأعمال الذين يمتلكون رؤية واقعية للاقتصاد المصرى، وخبرة كافية لقراءة المؤشرات الاقتصادية الحالية.


وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإجراءات الإصلاحية التي تم تنفيذها تحت مظلة «الإصلاح الاقتصادى» تضمنت رفع الدعم عن المواد البترولية، وتحرير سعر الصرف وغير ذلك من الإجراءات، ويعتبر انتهاء مصر من صرف قيمة القرض والتزامها ببنود الاتفاق مع الصندوق، بمثابة «شهادة ثقة» في أداء الاقتصاد المصرى أمام المؤسسات الدولية، فضلًا عن أنه يساهم في رفع تصنيف مصر الائتماني، وكذلك يؤهلها للاقتراض من أي دولة، في ظل نوع من التفاوض على أسعار الفائدة، وذلك تبعا لتداعيات شهادة البرامج الدولية الاقتصادية بشأن الاقتصاد المصرى والتحسن الذي شهده خلال المرحلة الماضية.

«مصر استطاعت أن تحصل على شهادة ثقة من أعلى جهة مشرفة على الاقتصاد العالمى وهى صندوق النقد الدولى، مما يعطى لها ثقلا عالميا ومحليا وإقليميا لسياستها الإصلاحية الاقتصادية»، بحسب محمد جنيدى نقيب المستثمرين الصناعيين الذي أكمل: نحن حاليا بحاجة إلى العمل على تحسين المناخ الاستثمارى المصرى، بما يجعله قادرا على جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يتطلب العمل على تحسين البنية الأساسية للجهاز الإدارى المصرى، واستقرار القوانين والقرارات وعدم تغييرها.

لا سيما وأن أي مستثمر أجنبي يهمه في المقام الأول استقرار البنية الاستثمارية التي سوف يعمل بها، حتى يستطيع اتخاذ قرار بضخ استثماراته بهذا السوق، كما أشار إلى أن تنمية وتحسين معدل الاستثمار الصناعى دليل على تقدم الدولة، مشددًا على الحاجة إلى رفع معدل الاستثمار الصناعى، وإعادة الصيغة بين المستثمر وأجهزة الدولة (الموظفين)، مما يساهم في تحقيق نوع من التيسيرات في الإجراءات للتعامل مع المستثمرين، إلى جانب العمل على طرح حوافز استثمارية، وعودة الحوافز الضريبية.

في السياق أوضح عمرو فتوح، عضو جمعية رجال الأعمال، عضو جمعية مستثمرى بدر، أن «حصول مصر على الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولى وتنفيذ برنامجها الاصلاحى يعد شهادة ثقة للاقتصاد المصرى أمام المؤسسات الدولية، كما أنه يعد رسالة طمأنة للاستثمار الأجنبى، ويساهم في رفع معدل التصنيف الائتمانى لمصر»، مشددا على أن «المرحلة المقبلة تتطلب الاهتمام بالاستثمار المحلى والتوسع في إنشاء مجمعات صناعية، ورفع معدل النمو الصناعى ورفع نسبة الصادرات المصرية وتقليل فاتورة الواردات».

من جهته قال الدكتور كمال الدسوقى، رئيس شعبة المواد العازلة بغرفة صناعات مواد البناء باتحاد الصناعات: حصول مصر على القرض يعطى ثقة من الجهات المانحة للاقتصاد المصرى، ولعل هناك عدة أسئلة مطروحة في ذلك الشأن حول مدى تحقيق الاقتصاد المصرى منذ بداية تطبيقها البرنامج الإصلاحى للهدف المنشود، وبالنظر إلى الأمر الواقع نجد أن مصر استطاعت تحقيق هذا التحدى، ويظهر هذا من خلال تحسن معدل النمو الاقتصادى الذي بلغ 5،8 % والذي يعتبر معدل نمو غير مسبوق، كما أننا نعد رقم 3 على مستوى العالم في معدل النمو الاقتصادى، وتابع: مصر استطاعت التحرر من أعباء الموازنة، حيث اتخذت قرارا برفع الدعم عن المواد البترولية، الذي كان يشغل نسبة كبيرة من الموازنة، كما أن نجاح أي اقتصاد لا ينجح وهو مكبل بأعباء تعرقله.

وحول دور الحكومة خلال الفترة المقبلة، قال «د. كمال»: الحكومة مطالبة بوضع التنظيمات ومراقبتها وتنفيذها، فلا ينبغى أن تتحمل الدولة إنشاء مشروعات وإدارتها، بل المفهوم الأفضل هو تنفيذ شراكات مع القطاع الخاص بما يساهم في تحقيق أرباح، وهذا في ظل ما تملكه الحكومة من إمكانيات مما يجعلها مطالبة بتعديل طريقة تفكيرها والتعامل بعقلية المستثمر.

في حين توقع الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، رئيس المنتدى المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، عدم حدوث أي إجراءات إصلاحية اقتصادية حادة خلال المرحلة المقبلة تسبب معاناة للمواطنين، لافتا إلى أن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، أعلن أنه تم الانتهاء من 90% من برنامج الإصلاحات الاقتصادية، وأضاف: مصر سوف تستكمل منظومة الإصلاح الاقتصادى من خلال استكمال الإجراءات الهيكلية، بالإضافة إلى الاستمرار في محاربة الفساد واليبروقراطية، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، ومزيد من التشريعات الضامنة الجاذبة والضامنة للاستثمار.

«د.رشاد» أكد أيضا أن «اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولى ساهم في منح شهادة ثقة للاقتصاد المصرى، إلى جانب تحقيق عدة مزايا، تمثلت في جذب مزيد من القروض في صورة أذون أو سندات إن أرادت من أي مؤسسة دولية والاقتراض بتكلفة منخفضة، كما أن صندوق النقد الدولى يعد المستشار المالى للعالم أجمع، وبالتالى فإن أي دولة حال رغبتها في إقراض مصر فهى تعرف رأى الصندوق في هذه الدولة».

كما أشار إلى أن أي مستثمر عندما يتخذ قرارا بضخ استثماراته فإنه يبتعد عن الدولة التي تعانى من أزمات اقتصادية أو مالية أو تعثرا في الإجراءات، لافتا إلى أن مصر دولة آمنة ومستقرة وسياسات ثابتة، إضافة إلى تمتعها بإشادات الوكالات العالمية الاقتصادية بأداء الاقتصاد المصرى، وهو ما يعد ميزة قوية تساهم في جذب الاستثمارات.

كما أوضح أن «مصر إن رغبت في الاقتراض من أي مؤسسة دولية فسوف تجد من يقرضها وبتكلفة منخفضة، كما أن المؤسسات الدولية تصنف الاقتصاد المصرى بأنه إيجابى والنظرة المستقبلية متفائلة، حيث تم رفع معدل النمو الاقتصادى إلى 5،6 %، بينما كان 1،8% في عهد الإخوان وتستهدف مصر رفعه إلى 6%، كما انخفض عجز الموازنة إلى 8،2% بينما كان 14،6% في عهد الإخوان، وتراجع معدل البطالة 8،2% بعد ما كان 14،8% في عهد الإخوان، مما يشير إلى تحسن المؤشرات، هذا فضلا عن إشادة وكالات التصنيف الائتمانى والبنوك العالمية في الاقتصاد المصرى ووصفه بالواعد».

وأشار «د. رشاد» إلى صدور 3 تقارير دولية مختلفة عن تحسن أداء الاقتصاد المصرى، مثل تقرير وكالة «بلومبيرج» وما ذكرته بأن العملة المصرية تعتبر العملة الثانية الأفضل أداءً بين دول العالم بعد روسيا، والتي انخفضت عن الدولار 9،5%، وقبلها تقرير آخر يشير إلى أن مصر تعد من أعلى الدول في معدل نمو على مستوى العالم بعد الصين والهند، وهذه جميعها مؤشرات تكشف إلى أي مدى استفادت مصر من الصندوق، ولفت إلى أن «احتياج مصر إلى الصندوق لا يتوقف على طلبها للقروض 12 مليارا، لكنها كانت تريد أيضا تقييم الخبراء للاقتصاد، وما يطرحونه من روشتة للإصلاح ونأخد ما يهمنا منه ويناسبنا، ومصر طلبت من الصندوق أن يعقد اتفاقا جديدا، بحيث تتم الاستفادة من الخبراء التابعين للصندوق في مناقشة خطط التطوير، وتحسين أداء الاقتصاد المصرى، وبالتالى يتم استكمال برنامج الإصلاح معهم، لكن دون طلب قروض جديدة».

التدفقات النقدية تعصف بـ«الدولار»
«ثاني أفضل العملات النقدية أداءً على مستوى العالم خلال النصف الأول من 2019».. إنجاز استطاع «الجنيه» المصرى تحقيقه بشهادة وكالة «بلومبيرج» الأمريكية الاقتصادية، مسجلًا إلى جانب الأداء الجيد هذا صعودًا لا يقل عنه جودة أمام العملة الأكثر قوة في العالم «الدولار»، وهو ما دفع عددا من المؤسسات العالمية الاقتصادية الشهيرة لإصدار تقارير إشادة بـ«الجنيه»، إذ ارتفع سعر صرف الجنيه بنحو 6.5 % أمام الدولار الأمريكي خلال الفترة المشار إليها، بينما احتل الروبل الروسي المرتبة الأولى بارتفاع 9.5%.

جدير بالذكر أن سعر الدولار مقابل الجنيه سجل مطلع يناير 2019 وبالتحديد 2 يناير نحو 17.78 جنيه للشراء، و17.88 جنيه للبيع، ثم تراجع إلى مستويات 16،54 جنيه للشراء و16.64 جنيه للبيع، وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزى، ليكون إجمالي خسارة الدولار نحو 124 قرشا، ويتحدد سعر الصرف في البنوك المصرية وفقًا لآلية العرض والطلب، وكلما زاد المعروض الدولارى وتراجع الطلب عليه، انخفض سعر الدولار.

وفى ذات السياق.. توقع تقرير لبنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي استمرار تحسن قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، لتصل إلى 16 جنيها للدولار بنهاية العام الجاري مقابل نحو 16.62 جنيه للدولار حاليا، أي بزيادة نسبتها 3.9% تقريبا.

وتعقيبًا على هذه التحركات الجيدة التي حدثت لـ«الجنيه»، قال الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي: قوة العملة تأتى من انعكاس الوضع الاقتصادي، والذي انعكس إيجابا على العملة، فكلما زادت الإنتاجية والصادرات والتحويلات من الخارج ارتفعت قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى تدفق أذون الخزانة والسندات والاستثمار فيها، كما أن حلول الجنيه المصري في المركز الثانى بعد الروبل الروسى كثانى أقوى عملة هو نتاج لجهود السنوات الماضية، التي تحملت نتائجها الصعبة جموع المواطنين المصريين، وتحمل مسئوليتها الرئاسة المصرية والحكومة.

وتابع: يمكن إجمال أسباب قوة العملة المحلية في زيادة الحصيلة الدولارية وارتفاع الاحتياطي الأجنبى، وكذلك زيادة تحويلات المصريين في الخارج إلى أكثر من ٢٢ مليار دولار، ثم تحسن الميزان التجارى مع ارتفاع الحصيلة خلال الربع الثالث من العام، وكذلك وقف استيراد الغاز الطبيعي وزيادة الصادرات من المواد البترولية.

«بدرة» شدد على ضرورة تفعيل الرقابة الحكومية على الأسواق، وزيادة التنافسية، وزيادة المعروض من المنتجات في الأسواق «لكى يشعر المواطن بالتحسن الايجابى في المجالات كافة».

ومن جهتها قالت ماريان عزمى، خبيرة أسواق المال: العملة المصرية تفوقت على جميع عملات الأسواق الناشئة من حيث التذبذب وحجم الانخفاض أو التغيير في العملات أمام الدولار الأمريكى، وهذا يعنى أن أداء الجنيه المصري جيد، لأن حجم التذبذب أمام الدولار وهو يوحى بثبات يعنى أداءا إيجابيا لصالح الاقتصاد المصرى، وأضافت أن «النتائج والمؤشرات الاقتصادية الإيجابية يجب أن تترجم على أرض الواقع في شكل انخفاض في الأسعار على المدى القريب، لكننا سنبدأ في جنى النتائج الإيجابية على المدى المتوسط والطويل.

لافتة إلى أن النتائج تأخذ وقتها حتى تستقر الأوضاع، وهذه النتائج الإيجابية هي حصيلة جهد وقرارات رئاسية وحكومية استمرت نحو ٥ سنوات، وهى قرارات كانت صعبة للغاية، ولكنها كانت ضرورية ولا يمكن تأخيرها أكثر من ذلك، وتتمثل أهم تلك القرارات في إلغاء الدعم وتحرير سعر الصرف، ومن أهم نتائجها ارتفاع أسعار المواد البترولية والكهرباء، تلاها ارتفاع في أسعار كافة السلع والخدمات»، كما توقعت أن تظهر أولى نتائج تلك القرارات الإيجابية خلال عام ٢٠٢٠، وتتمثل تلك النتائج في ثبات الأسعار، وخفض المركزى لسعر الفائدة ليتراوح بين ١١٪ و١٢٪، وهو نفس المستوى الذي كان سائدا قبل سنوات.

وفي نفس السياق يرى خبراء مصرفيون أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من تحسن العملة المحلية (الجنيه) أمام سلة العملات الأجنبية خاصة الدولار الأمريكي، مدفوعة بتحسن متزايد للتدفقات النقدية من العملة الصعبة، وارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، والذي يسجل ارتفاعا شهريا مستمرا، كما أن عودة السياحة وارتفاع الصادرات المصرية وتحويلات المصريين العاملين بالخارج سيكون لها عامل مهم في زيادة ودخول العملة الصعبة للسوق المصرى، كما ارتفع الاحتياطي النقدى الأجنبي لدى البنك المركزى المصرى خلال الأشهر الأولى من العام الجارى 2019 ليصل إلى 44.351 مليار دولار بنهاية شهر يونيو 2019.

وارتفعت تحويلات المصريين في الخارج لتسجل أرقاما قياسية، بحسب الأرقام التي وضعها البنك المركزي على صفحته الرسمية، حيث تشير أرقام تحويلات المصريين في الخارج إلى معدلات نمو تجاوزت مستوى الـ 54% خلال فترة تحرير سعر الصرف، فارتفعت إلى مستوى 26.3 مليار دولار في العام المالي 2017/ 2018، مقابل 17 مليار دولار في العام المالي 2015/ 2016.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية