رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور حسن يوسف.. نجيب محفوظ «محظوظ».. ويوسف إدريس «جريء».. أستاذ علم الجمال: الفلسفة والسياسة لعبا الدور الأهم في مسيرة الرجلين.. و«المرايا» كشفت خطر أمريكا على العرب

الدكتور حسن يوسف
الدكتور حسن يوسف

«موهبتان نادرا ما أن يجتمعا في جيل واحد».. بهذه الكلمات عبر الدكتور حسن يوسف أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون، عن قوة الأديبين نجيب محفوظ ويوسف إدريس الإبداعية، فالأول الأديب العربى الوحيد الحائز على نوبل، والثانى لقب بـ«تشيكوف العرب» للقصة القصيرة.


وفى حواره لـ«فيتو» يكشف "يوسف" مناطق القوة والتميز لدى "محفوظ" و"إدريس"، وتأثير الفلسفة والسياسة في حياة كل منهما.

نجيب محفوظ..أديب الواقع
البداية من صاحب نوبل والذي أكد يوسف أنه رجل واقعى يرصد الواقع من منظوره، فعلى سبيل المثال في روايته «اللص والكلاب» وقائعها حقيقية لشخص يدعى سليمان خاطر من الإسكندرية، أخذ محفوظ القصة وغزل بداخلها قضايا فلسفية كالعبث والموت ومعنى الوجود، وأيضا مجتمعية خطيرة، فنكتشف أنه يعرض للفكر الاشتراكى آنذاك في مصر في الستينيات من خلال شخصية رؤوف علوان – صحفى – ويصيغ الشخصية داخل إطار اجتماعى فلسفى.

ويظهر «محفوظ» رأيه في الفكر الاشتراكى أنه يصيبه عوار، وفقا لأحداث الرواية فالصحفى رؤوف علوان هو من دفع بطل الرواية سعيد مهران للسرقة، ثم عندما يصبح رئيسا لتحرير إحدى الجرائد يبدأ يهاجمه ويزج به في السجن، وهنا محفوظ كان يملك رؤية مستقبلية تجاه المفكر الاشتراكى الذي أظهره في أكثر من عمل له كـ «المرايا» و«ثرثرة فوق النيل» الذي انتقد فيها تجرِبة الاشتراكيين وعرى المنتفعين فيها بالثورة.

عقلية فلسفية قارئة للمستقبل
وأشار أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون، إلى أن محفوظ كان يكون رؤى مستقبلية للأحداث بناء على مدلولات الواقع، موضحا أن هناك جملة بسيطة للغاية في روايته «المرايا» لم يلتفت أحد لها، فيقول فيها: «إن عدونا الأكبر هي أمريكا» وهذه الرواية صدرت سنة 1968، وبعد كل هذه السنوات ثبتت صحة تلك الجملة فالعدو الأكبر لمصر والعرب هي أمريكا، وهنا هل كان نجيب محفوظ ثاقب الرؤية بأن يتنبأ منذ 51 عاما بذلك؟!.. نعم فهذه هي ميزة العقلية الفلسفية حيث يرى المستقبل بشكل دقيق جدا وبالتالى على من يقرأ أعمال محفوظ لا بد أن يكون فطنا لتلك الرؤى وعلينا أن ننتبه لكل ما كتب، فمحفوظ رحل ولكن يبقى الإبداع الذي تركه لنا بكل هذا الثراء الذي تستطيع أن تستنبط وتكتشف فيه مناطق لم يلق عليها الضوء بعد.

يوسف إدريس.. العبقري صائد اللحظات
ويصف أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون، يوسف إدريس بـ«العبقرى» مؤكدا أن أهم ما يميزه قدرته على التقاط اللحظة وتثبيتها وتعميقها مما يجعلنا نندهش وننبهر باصطياد تلك اللحظة، مضيفا - على سبيل المثال - قصته «بيت من لحم» هي عمل أدبى في منتهى العبقرية لأنه قدم فلسفة الجسد مع طرح حجة «هل على الأعمى حرج؟» ووضعنا أمام نقطة فارقة، فعندما ينطق الجسد بكل تجلياته ورغباته ماذا نفعل بكل ما هو دينى؟.. فالأم في تلك القصة كانت تعلم أن زوجها الشيخ الكفيف يمارس الجنس مع بناتها الثلاث وتدور أحداث القصة، ولكن يوسف إدريس هنا يفجر قضية في منتهى الخطورة، باتخاذ رخصة ووسيلة لتبرير فعل الإنسان وهى (ليس على الأعمى حرج) وذلك لأن الشيخ كان يعلم الفرق بين أجسادهن تماما.

وأضاف: "لا بد أن نكون واقعيين، فأيهما ينتصر الرغبات الإحساسية والملموسة على أرض الواقع أم ما هو دينى وميتافيزيقى، وهنا نقف مذهولين أمام قدرة إدريس على اصطياد تلك اللحظة وتجسيدها بهذا الشكل، فالقضية ليست علاقات جسدية وإنما جعل الجسد ينطق بنفسه وهذا يعنى بأنه عليه أن يعيد النظر في طلبات هذا الجسد وألا يقمع تحت أي ظرف من الظروف، ومثل هذه القضايا لا يلتقطها إلا شخص لديه وعى شديد للغاية بالموقف وكيفية التقاطه والتعبير عنه وهذا ندر أن نجده وهذه هي المرافقة العميقة عند يوسف إدريس فهو الوحيد الذي يستطيع أن يغزل من لحظة بسيطة موقفا يجعلك تفكر فيه".

وأوضح أن إدريس كاتب عقلانى من الدرجة الأولى، يجعل القارئ يحلل الأمر، بينما نجيب محفوظ مفكر واقعى يرصد الواقع ولكن له ظلاله المتداعية التي تستنبط من خلالها، وهناك فرق كبير بينهما فهما عملاقان وكل تخصص في مجاله سواء القصة القصيرة أو الرواية.

تيمة «الفقر» بين أعمال محفوظ وإدريس
وأشار يوسف، إلى أن تيمة «الفقر والحرمان» هي إحدى التيمات الاجتماعية التي كتب عنها كل من نجيب محفوظ ويوسف إدريس، ولكن كلاهما له طريقته المتميزة في تناولها، فما قدمه يوسف إدريس من قضية اجتماعية في «بيت من لحم» واستهجان لكل ما هو سياسي وغياب مؤسسات التكافل الاجتماعى وانتشار العشوائية، أدى إلى لجوء الأرملة وبناتها للبحث عن العائل بعد وفاة زوجها ليحدث ما رأيناه في القصة، بالإضافة إلى أنه وضعنا أمام (رغبة إنسانية) متطلبات الجسد بأنه حتى إذا كان العائل موجودا فماذا ستفعل هؤلاء الفتيات، وهنا تكمن العبقرية.

بينما نجيب محفوظ يفجر القضية بين جيل واثنين وثلاثة، ففى «بداية ونهاية» نرى نفيسة ماذا فعلت هي وأخواتها؟.. فالفقر المدقع يجعلها تعمل فتاة ليل حتى تكفلهم اجتماعيا، والغريب أن أخيها يصبح ضابطا من نقود أخته الباغية، وهنا التجلى فأيهما أكثر احتراما نفيسة أم أخوها الضابط ؟!.. نفيسة بالطبع.. على الرغم من أنها مستهجنة اجتماعيا ولكن لا بد أن نقدم لها كامل الاحترام لأنها ساهمت في إعالتهم، فعندما علم أخوها بأنها ألقت نفسها في النهر عرف أن مأساته أكبر منها وانتحر هو الآخر.

ورأى أستاذ الفلسفة وعلم الجمال بأكاديمية الفنون، أن نجيب محفوظ كان محظوظا عن غيره من أبناء جيله حيث توفرت له عدة عوامل للنجاح، فالسبب في شهرته وانتشاره على نطاق واسع، هو خروج كتاباته من على الورق إلى شاشة السينما التي جعلته منتشرا عبر مستويات مختلفة، بالإضافة إلى استمراره في الكتابة على صفحات الأهرام، فرواية أولاد حارتنا نشرت على حلقات مسلسلة قبل طباعتها وبأمر من محمد حسنين هيكل، مؤكدا على أن نجيب محفوظ عميد الرواية العربية، امتلك ثراء وعمقا فكريا بالإضافة إلى تمكنه من أدواته مما جعله يحقق نجاحا وشهرة عالمية استحق بها الحصول على جائزة نوبل في الآداب، بعيدا عما أثير من لغط حول حصوله عليها لأسباب سياسية.

أما يوسف إدريس فكان ــ وفقا ليوسف ــ أقل حظا من محفوظ، بسبب عدة عوامل، فعلى الرغم من عبقرية أعماله الأدبية، إلا أن القليل منها نفذ للسينما، ربما هذا يرجع إلى أن أعماله لم تصادف سينمائيا قادرا على إبرازها على شاشة السينما، فشخصيات يوسف إدريس معقدة وصعب تجسيدها سينمائيا إلى حد ما ولكنها تحتاج إلى سينمائيين واعيين وكتاب سيناريو قارئين للأدب جيدا ويستطيعون التقاط نفس اللحظة عن إدريس، فكلامه معقد ويصعب تبسيطه في عمل فنى هذا بالإضافة إلى أنه جريء، فعندما يتناول تابوهات كالجنس والسياسة والدين هنا الحالة الاجتماعية آنذاك ولا زالت غير قابلة لهذا الأمر وبالتالى يظل قابعا في مؤلفاته إلى أن يحين الوقت للكشف عنها.

وتابع: "هذا بالإضافة إلى أن يوسف إدريس كان له مواقف صدامية وغير متوائم وغير متصالح إلى حد ما مع ما هو سياسي وهذا عكس نجيب محفوظ فكان شديد الذكاء فهو لم يسجن أو قبض عليه إطلاقا في أي عصر وهذا يعنى بأنه يستطيع أن يخلص لعمله ولا يقدر أحد على أن يزج به في أي موقف، بينما يوسف إدريس كان (اشتراكي حقيقى) فكان كثير الصدام بالسياسة، وعندما تصطدم بالسياسة قد يعتم عليك بشكل قصدي، مؤكدا على أن يوسف إدريس عبقرية أدبية نادرة يملك ثقافة واسعة وثراء فكريا متنوعا، أعماله إبداعية من الدرجة الأولى تحتاج لإعادة قراءتها واكتشافها، وكان يستحق هو أيضا الحصول على نوبل في الآداب".
الجريدة الرسمية