محمود السعدني: الحكيم جوهرة من الماس الأصيل
في كتاب أصدره الصحفى نبيل فرج باسم (وداعا توفيق الحكيم) بمناسبة وفاة الأديب الكبير توفيق الحكيم يضم كتابات رثاء من الأدباء والمفكرين فكتب الكاتب الصحفى محمود السعدنى يقول:
عندما يموت كاتب عظيم موهوب في حجم توفيق الحكيم فنحن لا نلطم الخدود اسفا عليه لأنه لم يفارقنا قط.. فهو يعيش داخل نفوسنا ويسرى في دمنا.
وواجبنا حيال وفاة كاتب عظيم من هذا الطراز هو تقييمه بما له وما عليه، وتسليط الضوء على القمم الفنية التي تسلقها والسفوح التي تدحرج إليها، والبحث عن سر القوة الإبداعية التي ألهمته يوميات نائب في الأرياف، وأيضا سر الأصابع الخفية التي فرضت عليه أن يعترف صراحة بأنه فقد وعيه خلال حقبة من تاريخ مصر كان خلالها يتصدر مجالسها ويتحدث باسمها ويحمل أرفع أوسمتها دون أن يفتح فمه مرة واحدة بكلمة احتجاج.
على كل حال ليست هذه هي أصلح مناسبة لمحاسبة توفيق الحكيم سياسيا، ومواقفه السياسية المضطربة المهاترة الرمادية لا تقلل من حجم موهبته التي هي بلا جدال أعظم موهبة فنية عربية ربما بعد المتنبى.
وتقييم هذه الموهبة العظيمة لا يتم في قعدة أو محاضرة أو مقال لكنها تحتاج إلى مؤسسات ضخمة وإمكانيات كبيرة كالجامعات مثلا.. لأن توفيق الحكيم ليس فنان مصر لكنه فنان كل العرب.. وهو أخطر وأعظم فنان أنجبته أمة محمد.
ولا مانع أن يشمل التقييم كل العمالقة في تاريخنا الأدبي.. لكن يبقى للحكيم وضعه الخاص وسط كتيبة العباقرة لأن الحكيم هو الفنان، وطه حسين والعقاد من طبقة الأساتذة.
وإذا كان طه حسين هو فلتة، ومعجزته الحقيقية في نشر الثقافة وتحكيم العقل بعيدا عن الخرافات، لكن فنه يأتى في المرتبة الثانية بعد فن يحيى حقى والمازنى، وفى المرتبة الثالثة بعد توفيق الحكيم ونجيب محفوظ.
فهؤلاء في طابور الفنانين الذي يضم عشرات المبدعين على رأسهم توفيق الحكيم..فهو شيخ الأدباء الفنانين وهم غير الأدباء الأساتذة.
وإذا كانت موهبة نجيب محفوظ من الذهب الخالص عيار 24، فموهبة توفيق الحكيم من الماس الحر الأصيل.
والغريب أن توفيق الحكيم يدعى أنه لا يشتغل في السياسة.. لكنه كان في الحقيقة غارقا فيها حتى أذنيه، ويوميات نائب في الأرياف هي عمل سياسي معارض من الطراز الأول وكذلك عودة الروح.
عموما لقد مات توفيق الحكيم وغادر دنيانا.. لكن فنه العظيم سيظل باقيا معنا إلى أمد طويل.