نجيب محفوظ: في مقهى" بترو" عرفت توفيق الحكيم
في مثل هذا اليوم 26 يوليو عام 1987 رحل الأديب توفيق الحكيم، وقد كتب العديد من الكتاب والصحفيين مقالات تحمل رثاء وعزاء في الكاتب الكبير.
كتب الأديب نجيب محفوظ في جريدة الأخبار يوليو عام 1987 قال فيه:
تعرفت بالأستاذ توفيق الحكيم عام 1947 بعد صدور روايتى "زقاق المدق" ووقتها قال لى الأستاذ محمد متولى مدير الأوبرا إن توفيق الحكيم يريد أن يلتقى بك أنه يجلس في المقهى المواجه للبنك الأهلي.
رحت أقابله، سألنى.. أنت بتروح الإسكندرية؟ قلت له: نعم، قال: إنه يقعد في مقهى في سيدى بشر، وفى طريقى اليه في مقهاه، مررت في طريقى بمقهى هادئا اسمها بترو، بينما مقهاه كانت على الرصيف الآخر الشديد الازدحام.
قلت له أنا شفت مقهى معزولا وهادئا تستطيع أن تخلو فيه مع نفسك ومع أصحابك، ومنذ ذلك الحين بدأنا الجلوس على مقهى بترو، وبذلك أنا الذي اكتشف بترو، وبعد الثورة اكتشفها الباشوات وأصبحت مقرهم.
واليوم رحل توفيق الحكيم وأنا أكتب اليوم ليست كلمة رثاء، فالرثاء للموتى، والحكيم قد يختفى من حياتنا الظامئة لحضوره، لكنه يبقى حيا في أرواحنا وقلوبنا إلى ما شاء الله.
لعلها كلمة رثاء لمريديه وعشاقه وتلاميذه الذين لا تطيب لهم الحياة إذا غابت عنها طلعته المشرقة ونور عينيه المبهر اللماع.
لن أنسى ما حييت كيف غمر حياتنا الأدبية بين يوم وليلة مفاجأة مثيرة سعيدة بلا مقدمات، فجلس على العرش متوجا بتسليم وترحاب مؤيدا بمبايعة عمالقة العصر كله واعترافهم بعبقريته وتفرده، ومنذ ذلك التاريخ في الثلاثينيات تحول مجرى حياتنا الأدبية من النقد والتاريخ.
منذ ذلك التاريخ استوى الحكيم في حياتنا الثقافية بحيرة ثرية مترامية دفاقة انطلقت منها الأنهار والجداول خالقة أجيالا من الروائيين والمسرحيين والقصاصين ازدانت بهم اسرة أهل الفن في عصر من عصوره الذهبية.
يعز علي أن أودع منارة الفكر والثقافة ويعزينى بعض الشيء أنبتت أجيالا من وحيه، انتشرت في عامة فروع الفن، أما خسارتنا في مودته.. فلا عزاء.
كلا.. ما هى بكلمة رثاء ايها الصديق، وإن كنت أعلم أننى لن أراك في هذه الدنيا.. ولكنك ستظل باقيا بكل شموخك في الأرواح والعقول والقلوب.