صعود البهلوان!
حسنا، يمكن أن نهنئ أنفسنا والبشرية، فقد حصلنا على ترامب - نمبر 2 البريطاني "بوريس جونسون" على كمال، الإنجليزي العثمانلي الأصل، المسلم الأجداد، المسيحي حاليا. صباح أمس التقى الملكة إليزابيث، وبذلك اللقاء تقلد رسميا منصب رئيس الحكومة البريطانية وقيادة حزب المحافظين الذي كان نبذه سابقا.
أكثر البشر سعادة بفوز "بوريس جونسون" برئاسة حكومة بريطانيا هو الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي اعتبره شبيهه والنسخة الثانية منه فهو يمتاز بالقوة وبالقسوة وسيكون رجلا جيدا. كتب "ترامب" مغردا:
"لدينا فعلا رجل جيد، سيكون رئيسا لوزراء المملكة المتحدة، "بوريس جونسون". رجل طيب، وهو قاس وذكي. يقولون "ترامب" البريطاني. يسمونه "ترامب البريطاني".
ثم تابع وقال: "الناس يقولون ما هو شيء جيد. إنهم معجبون بي هناك، وهو ما أرادوه، وما يحتاجونه. بوريس جيد".
لدينا الآن إذن حاكمان من الطراز الشعبوى بامتياز، "ترامب" الذي وجد قرينه في لندن، و"جونسون" المولع ب"ترامب"، وللرجلين تاريخ في الكذب، وإطلاق التصريحات وإعادة نفيها. والحق أن "بوريس جونسون" نفسه تاريخه أسود في الصحافة، فقد بدأ حياته في صحيفة التايمز البريطانية بكتابة مقال مفبرك اتهم فيه الملك إدوارد الثاني بالفجور مع شخص آخر لم يكن على قيد الحياة في الفترة التي عاش فيها الملك البريطاني، وفصلته صحيفة التايمز..
فعمل في تليجراف. مراسلا لها في بروكسل لتغطية أعمال المفوضية الأوروبية، فغلبت على تقاريره المبالغة والفوضوية وتناول هوامش القضايا مركزا على الجوانب المثيرة جذبا للاهتمام مثل أحوال دورات المياه وأشياء ثانوية.. وفق تقرير لمحطة فرانس ٢٤.
عرف بالتهويل والتضخيم والفوضوية وسوء التقدير والاندفاع، (كثيرون حققوا شهرتهم في مصر بالكتابات المفبركة والتهويل والكذب والتركيز على الجنس والتفاهات.. هؤلاء يستبشرون الآن بما آل إليه صحفي كاذب من سلطة على رأس بريطانيا!) وعرف عنه أيضا معاداته البالغة للإسلام والمسلمين وهو عاشق لإسرائيل، وهو وصف المنتقبات في بريطانيا بصناديق بريد ولصقات بنوك ثم اعتذر وتحجج بجده التركي المسلم على كمال..
ولعل الحسنة البارزة في فوز هذا الرجل المندفع أن فرائص الجماعات الإخوانية المتطرفة المقيمة في لندنستان ترتعد حاليا. لا يختلف موقف "جونسون" عن موقف "ترامب" في نظرته للإسلام السياسي.
من الناحية الأخلاقية فهو كان زوجا وأبا لأربعة أطفال، لكن حملت منه فتاة تنصل منها، وآخر فضائحه شكاوى جيرانه من صراخه العنيف بسبب خناقات منتصف الليل مع صديقته المقيمة معه بسبب الخلاف على اللابتوب!
استدعوا له الشرطة..
هو من الطراز الذي إذا أراد فقد فعل، وسنرى كيف سينفذ هذا المبدأ، فقد وعد البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي Brexit، في موعد غايته ٣١ أكتوبر المقبل، باتفاق أو بغير اتفاق. فالطلاق البريطاني من الاتحاد الأوروبي سيكون كارثة اقتصادية ولها عواقب مضاعفة على مجمل العلاقات البريطانية مع الأسرة الأوروبية.
بتولي "جونسون" السلطة أمس تكون "تيريزا ماي" قد أورثته المواجهة المتصاعدة حاليا في الخليج، بعد احتجاز إيران لناقلة نفط بريطانية مقابل احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية في مستعمرة جبل طارق البريطانية (تقع على الساحل جنوب إسبانيا)!
فعلتها بريطانيا بإيعاز من "ترامب".
في إطار التلاعب بالتصريحات وحرب الأكاذيب، لا يمكن لطهران مجاراة رجل له سوابق مثبتة في ذلك، فقد صرحت طهران أن بريطانيا أرسلت من يفاوضها لإطلاق سراح الناقلة المحتجزة لديها، وعلى الفور كذبت الحكومة البريطانية النبأ الإيراني.
أوروبا تعلم أنها مقبلة على أيام صعبة وفقراء بريطانيا يعلمون أن "جونسون" نصير الأغنياء وسياسته خفض الضرائب وهذا هو السبب في الغضب العارم الذي أبداه "جيريمي كوربن" رئيس حزب العمال المعارض، وكتب: "إن فكرة جونسون بالخروج بدون اتفاق ستعني الاستغناء عن موظفين وعمال، وارتفاع أسعار السلع، وخطر احتمال بيع جهاز الصحة الوطنية إلى شركات أمريكية في صفقات تصالحية مع دونالد ترامب.. يجب أن يقرر أبناء البلاد من سيصبح رئيسا للوزراء في انتخابات عامة".
هناك إذن تربص لإجراء انتخابات عامة جديدة يخوضها المحافظون بتاريخ متتابع من الفشل منذ "دافيد كاميرون" إلى "تيريزا ماي".. وهناك وزراء بادروا بالاستقالة من الحكومة بمجرد إعلان فوز "ترامب بريطانيا" الجديد!
بالنسبة للشرق الأوسط، فإن سياسة ترامب -جونسون ستتواصل من حيث الدعم المطلق الجامح لإسرائيل، الابتزاز وتأجير القوات، وفرض الأمر الواقع. وربما تتراجع بريطانيا عن فكرة تأليف قوة بقيادتها وفرنسا لحماية المرور التجارى في مضيق هرمز لحساب التحالف الدولي الذي تبنيه وتقوده الولايات المتحدة لمنع إيران من السيطرة على هرمز والتحرش بالسفن التجارية العالمية.
أما مصر ومتاعبها مع الحكومة البريطانية وتقلبات مواقفها وسياساتها المزدوجة، فستعرف كيف تروض جموح البهلوان السياسي الجديد كما فعلت مع نسخته في واشنطن!
العالم يتجه نحو اليمين الجامح.. بالقوة..