إنه بن لادن.. الطفولة تنتصر
من يتتبع الحلقات السابقة من كتاب «إنه بن لادن» يتوقف قليلًا ليسأل ما مصير بناته، إن كان هذا الرجل فعل ذلك بالأولاد، منعهم من كل شيء حتى الأدوية لعلاج نوبات الربو، فأي موقف للفتيات وهو الذي يعتقد أن المرأة خُلقت من أجل إسعاد الرجل فقط، ربما التضييق الكبير على الأولاد لم يجعل هناك فرصة للتفضيل، لكن "عمر بن لادن" يكشف لنا أن أخواته البنات قَرْن في بيوتهن ليتعلموا العلوم الشرعية فقط، وفي باكستان تزوجت أخت له وهي في سن الثانية عشرة.
عاش "أسامة بن لادن" ضد الطبيعة والتطور، حاول أن يفرض ذلك على جميع من حوله، لكن من ينتصر على الطفولة، عقول الأطفال البريئة التي لا تعي شيئا حتى لو ضُربوا آلاف المرات، بل المتتبع لسيرة "أسامة بن لادن" يجده ينظر للأطفال بنظرة سلفية فإنهم مجاهدو الغد ومن أجل هذا السبب تزوج كثيرًا حسبما يزعم، لكي يعد جيلًا تربى على النشأة الإسلامية وفق ما يعتقد، ويقوم بواجباته مستقبلًا، لكنه نسى أنه بشر وأن أولاده بشر.
ورغم ما فعله واستمات في فعله ماذا حدث في أولاد "أسامة بن لادن" الذي لا يسطع منهم الآن غير "حمزة" زعيم تنظيم القاعدة الجديدة والمولود من زيجة متأخرة لـ"أسامة"، لكن إن جئنا لأولاده فـ"عبد الله" ترك كل شيء وعاش في السعودية، و"عمر" هكذا آثر السلام ورفض العنف رغم ما بذله أبوه في تعليمه، بل الأهم أن أطفاله استطاعوا خداعه بمساعدة زوجته "نجوى بن لادن"، نعم الطفولة تنتصر في كل شيء ولا يستطيع أحد الوقوف أمامها.
قلنا سابقًا إن "أسامة بن لادن" حرم على أولاده الأدوية الحديثة وجميعهم مصابون بالربو، لكن "عمر بن لادن" يقول: «لما كبر عبد الله وسمع بالفانتولين اشترى منه مؤنته الخاصة خفية وسمح لي باستخدام جهاز الاستنشاق وفعلت ذلك عند بداية النوبة الثانية فتحولت حياتي واكتشفت أمنا أننا نعصي أوامر أبينا لكنها لم تبلغ والدنا».
أما باقي الأوامر والتي تعلقت بعدم شراء المياه الغازية أو ما إلى ذلك، يقول "عمر بن لادن": «لقد حاولنا في كل فرصة التحايل على أوامر أبي فشربنا المشروبات الغازية من ورائه، بل وفي السودان كانوا يهربون من الأسوار والسياج الحديدية المفروضة عليهم، وفي كل مرة يتم اكتشاف هروبهم تزداد تلك الأسوار والحراسة عليهم، ورغم ذلك فهم يهربون، وقليل من رجال "أسامة بن لادن" كانوا يعرفون ذلك ويسمحون به، باعتبارنا أطفال والمنطقة آمنة».
لم تنتهِ الأمور عند هذا الحد، فباعتبارهم أطفال لأسامة بن لادن لم يكن من المسموح لهم أن يمتلكون نقود، لكن كيف يشترون ما هم يريدونه بدون أموال، من هنا بدءوا في أخذ الأموال من أماكن مخصصة تضع فيها أمهم الأموال، واستمروا على هذا النهج، ويقول "عمر بن لادن" إنه مع استمرار تلك القصة بدأ يلاحظ أن أمهم تترك لهم أموالا أكبر بل وتسهّل عليهم الطريق حتى يستمتع أبناؤها وهي من بعيد ودون تشجيع رسمي لها.
أما في نهاية مطاف رحلة التربية التي أرادها "أسامة بن لادن" فإنهم اختاروا الطريق المختلف، السلام، من عاشوا وسط الرصاص لم يكن يهمهم ما يزعم والدهم من إقامة الخلافة الإسلامية وهزيمة الجميع، بل كل ما أهمهم الحياة لأنهم رغم ما عاشوه كرهوا الموت.