إنه بن لادن.. أطفال الموت
مقاطعة الحداثة والأوامر الصارمة بتجاهل تطورات التاريخ لم تكن فقط تعليمات "أسامة بن لادن" لأولاده، بل كونهم أولادا لرجل يتخذ من الجهاد طريقًا كما يعتقد، جعله يحسب حساب اللحظة التي يتعرض فيها للخطر هو وأولادهم، لم يكن «الشيخ» يتجاهل مثل تلك الأمور وهذا ما يجعلنا نتأكد أن أسامة يعرف طريقه جيدًا منذ البداية أو على الأقل يطمح في الطريق الذي سار إليه، ولكن من أجل تلك اللحظة فقد أخضع أولاده لكثير من التعليمات والقواعد ليتجعلهم يتقبلون اللحظات الحرجة.
ونغوص مع "عمر بن لادن" الذي يقول «لقد أخذنا والدي ونحن صغار للصحراء الجافة خارج جدة وأصر أن نرافقه في رحلاته الطويلة برغم أننا غالبًا ما نتعرض لنوبات الربو، وقضى أقسى أحكامه بأن لا نتناول شربة ماء حتى عودتنا، ولا يجب أن نفكر في ماء وتم تحذيرنا أنه يجب علينا أن نستعد لمواجهة حرب الصحراء عندما يهاجم الكفار العالم الإسلامي، وهو اعتقاد ظل ينمو كل عام، كما تعلمنا تسلق الجبال وفي إحدى الرحلات كدنا أن نموت لولا أن لحقنا أبي بشربة ماء، بجانب ذلك في المعيشة يجب أن تكون أصواتنا».
وتقول "نجوى بن لادن" زوجة "أسامة" الأولى في هذا الشأن أيضًا «إن حالة العالم دفعته إلى الاستنتاج بأنه يجب أيضًا تدريب زوجاته وبناته ليصبحن صبورات وشجاعات، فأخذنا لمنطقة خارج الخرطوم ولا مؤن كافية، وما إن بلغنا المكان المعزول في الصحراء حتى قيل إننا سنمضى الليل تحت النجوم وعلى الجميع الحد من تناول السوائل والمغذيات الأخرى، ولن تتوفر لنا بعض الأغراض الضرورية مثل الأسرة أو الأغطية، وفوجئنا أكثر عندما قال لم أحضر ناموسيات لكن لا تقلقوا فنادرا ما يأتي البعوض للصحراء».
وتكمل ذلك المشهد ذات الدلالة على حياة وتفكير زعيم تنظيم القاعدة «وقفت الزوجات والبنات مراقبات بينما طلب "أسامة" من أكبر أبنائه استخدام أدوات حفر لنبش فجوات كبيرة كفاية ليتمدد فيها إنسان على طوله وهو نائم، وخلال ذلك كان يعظنا عليكم أن تكونوا بواسل لا تفكروا في الثعالب أو الأفاعي، تذكروا أنكم تخضعون لتدريب فالمحن التي ستختبرونها آتية إلينا، وسيأتي يوم لن تجدوا فيه مأوى فوق رؤوسكم، ولن تملكون غطاء تليفون به أجسادكم ولم يحتج أحد، ولم أشأ لأولادي مثل تلك المعاناة فتلوت صلوات كثيرة إلى الله طالبة أن يمر هذا الأمر».
أما الترجمة العملية لمأساة أولاد "أسامة بن لادن" تعرضهم للاغتيال في السودان، فيقول "عمر بن لادن" واصفًا المشهد «عدنا من المدرسة وكان أساتذة ثلاثة حاضرون للشرح لنا وأخذنا ندرس بهدوء عندما دخلت رصاصة من النافذة المفتوحة، وسقطت عند قدمي "سعد" فسارع إلى إبلاغ الأستاذ، وأدركنا أننا عرضة لهجوم، وأنهم ثلاثة مدرسين غير مسلحين ومسئولين عن سلامتنا، وقبل قول أي شيء أخذ الرصاص يئز عبر النافذة، وشرع الصبية الأصغر سنا في الصراخ والبكاء، وعرفت أن علينا الابتعاد عن النافذة المفتوحة، وهو ما فعله معلمنا المغربي، الذي صاح تعالوا أيها الصبية ثم شهق بعد إصابته، لكنه بقى واقفا وهو يسرع بنا الخطى إلى خارج الفيلا، حيث يوجد مبنى صغير يكاد يتصل بالمبنى الأساسي، وجذب الباب بسرعة وأشار إلينا معلمونا أن نبقى ساكتين».
ويكمل "عمر": «بذل الصبية الأكبر سنا جهدهم لمواساة أشقائهم الصغار حتى لا يكشف صراخهم عن مخبئنا وواضح أن هؤلاء المسلحين يريدون قتل أحد ما، وثبت الأساتذة في مواقعهم بدون أن يهمسوا ولو بتنهيدة، وبعد لحظات لم نعد نسمع القاتل، ربما لأن حراس والدنا داروا من حول الزاوية وشرعوا بالمطاردة، واستمر إطلاق النار لثلاثين دقيقة أخرى، ثم بدا كل شيء يتراجع ثم سمعنا عنصرا من دورية أمن والدنا يفتش عن أبناء الشيخ صارخا بأن خروجنا بات مأمونا ثم خرجنا».
«لقد شعر والدي بأمان كبير في الخرطوم لدرجة أنه أوقف إجراءاته الوقائية القاضية بتغيير مواعيده، وأصبح يتبع عادات محددة، ومن الواضح أن أعداءه اكتشفوا هذا الواقع، لكننا اكتشفنا كيف تمت عملية الاغتيال، لقد تمكن مسلحين من دخول منطقتنا في وقت سابق وجلسوا متأهبين في مواجهة بيت الضيافة، وأبلغ هؤلاء الرجال أن والدي قد يصل مبكرا لكنه تأخر، فاضطربوا وأطلقوا النار عشوائيا، وسمع والدي الجلبة وأمسك فورا بكلاشينكوفه الروسي الصنع، وأسرع لدى سماع الطلقات إلى سطح فيلا العائلة، وأطلق منه النار على القتلة، وما إن بدأ إطلاق النار حتى ردت جميع القوى الأمنية في المنطقة بزخات عنيفة من النار ألهبت الجو».
ويكمل نجل الشيخ «سرت تكهنات كثيرة عمن يقف وراء محاولة الاغتيال، واعتقد البعض أنه هجوم قام به الروس انتقاما لأعمال والدي في أفغانستان، واعتقد آخرون أن إحدى الفئات الأفغانية المقاتلة أرسلت رجالا لقتل والدي».