«طبيب الغلابة».. الموت حرم أول الثانوية الأزهرية بالقليوبية من حلمه
«طبيب الغلابة».. هكذا عنوان جدران غرفته، انتظر بشغف انتهاء الثانوية الأزهرية، ليلتحق بكلية الطب، لقب «دكتور» كان حلما شغله كثيرا، وهو لم يتوان في مطاردته، علاج «الغلابة» الذي هو واحد منهم كان دافعه للحصول على بكالوريوس الطب، لكن القدر كان له رأي آخر.
رحل تاركا «حصيرة» كانت هي ملاذه حين يخلد إلى النوم، حياته البسيطة، فرحته العزيزة، كانت أهم ما يميزه، السعادة طرقت بابه يوم أن تفوق في الثانوية العامة، لكن قلبه لم يتحمل الفرحة المؤجله، دفن ودفنت معه أحلامه.
الطالب «محمود محمد حسين»، ابن قرية البرادعة التابعة لمركز القناطر الأول على الثانوية الأزهرية بمحافظة القليوبية بمجموع 98%، منح نفسه مكافأة على تفوقه، فذهب إلى مدينة فايد بالإسماعيلية في رحلة اليوم الواحد برفقة أسرته وأبناء عمومته، لكن سرعان ما تحول الفرح إلى مأتم عندما لقي مصرعه غرقا.
قال «عادل سعيد»، أحد أهالي القرية: إن «محمود» كان متفوقا منذ صغره في المراحل التعليمية المختلفة وكان الأول على الجمهورية في الصف الأول الثانوى بمعهد البرادعة الازهرى ويشهد له الجيران بحسن الخلق وكان بارا بوالديه وكل القرية تشهد له.
وأكمل سعيد أنه أكبر أشقائه وكان يساعد والده بالعمل في ورشة بلاط أوقات فراغه وشقيقه الثاني محمد بالصف الثانى بالثانوية العامة ونعيمه الثانى الإعدادى وأحمد بالرابع الابتدائي وكان حافظا لكتاب الله ويصلى إماما بالمسجد ولا يترك فرضا في الصلاة.
وأشار محمود حسين عم الطالب أنه كان أول مرة في حياته يذهب للمصيف وان الرحلة تم تأجيلها 3 أسابيع متتالية أولها بسبب حالة وفاة أحد الجيران والثانية فرح أحد الأقارب والثالثة انتظار النتيجة وفى الجمعة الرابعة تم التوجه لفايد وفى هذا اليوم نزل الجميع البحر باستثناء محمود الذي ذهب لصلاة الجمعة، عندما انتهى من الصلاة نزل إلى المياه بملابسه وغرق قبل أن يتمكن أحد من إنقاذه وحدث ذلك في دقائق معدودة وتبددت فرحة الجميع بنجاحه والتحاقه بكلية الطب وتحقيق حلم القرية بالكامل.
الأم المكلومة تسرد قصتها بدموعها التي لا تجف أن نجلها كان ملاكا يمشي على الأرض وأنه كان يقبل يديها كل يوم وتدخل عليه فجرا تجده يصلي ويذاكر ووعدها بأن يرفع رأسها ويكون الأول ويدخل الطب ليجعلها هي ووالده يحجان بيت الله الحرام.
تصف الأم حياة نجلها أنه لم يرتاح يوما فكان يعيش على "الحصير" ولم يأكل حتى يشبع ليوفر طعامه لإخوانه الصغار فكان أبوهم وليس شقيقهم الأكبر ولم يلبس ملابس جديدة ولا يعرف طعم العيد ليكسو إخوانه، حتى عمله اليومي بورشة البلاط كان ينفقه على دراسته فلم يحمل أسرته عبئا ماليا يوما بالعكس كان يساعدهم.
توصف الأم ابنها أنه كان عفيف النفس فذات يوم علم صاحب ورشة البلاط أن محمود يدرس بالثانوية العامة فطلب منه أن يرسل له إعانة شهرية ليتفرغ لدراسته فرفض بشدة وقال له: "أنا لا أقبل مساعدة أو الإحسان ولا أكل إلا عرقي وجهدي"، تمنت الأم أن يعوضه الله سبحانه وتعالى في الجنة ويطعمه ويسقيه ويكسوه ويفرحه بالنعيم الدائم ويعوضه عن شقاء الدنيا التي لم تبتسم له يوما.
وتمنى والده أن يحقق الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أمنية ابنه ويحصل هو وزوجته على منحة الحج هذا العام كما كان محمود يمني والديه.