رئيس التحرير
عصام كامل

التحول من الحراك إلى العراك السياسى


ما يحدث الآن فى مصر لم يعد مجرد حراك سياسى وتصارع على ممارسة قواعد اللعبة السياسية، ولكنه قد صار عراكا سياسيا تجاوز مرحلة الصراع التى تنذر بعواقب أقل ما توصف به أنها وخيمة..


كما أن علينا أن ندرك أن ممارسة اللعبة السياسية لابد وأن يتوفر لها شيئان على الأقل.. مجموعة من القواعد الثابتة والمتعارف والمتفق عليها لممارسة قواعد اللعبة السياسية، وأن يكونوا على علم ودراية بتفاصيلها ولديهم قدر من الخبرة السياسية التى تمكنهم من ذلك..

أما العامل الثانى والأهم؛ هو أن يكون هناك بيئة سياسية مهيأة ومناخ سياسى كذلك، لممارسة اللعبة السياسة على النحو الذى لا يخرج بها عن الإطار المألوف أو ما هو متعارف عليه فى الممارسة السياسية.. وكذلك ما تفرضه تقاليد الممارسة السياسية على المستويين المحلى والعالمى..

ذلك هو الضمان أو الحدود الدنيا من الضمانات التى لا تؤدى إلى تحول المواقف وانقلابها، أى أنها قد تتجاوز حدود المألوف أى تتحول إلى عراك سياسى بدلاً من حراك.

إذ أن الحراك قد يعد مطلوباً وأساسياً ،وهو يمثل نوعا من الحركة التى تعنى حياة الجسد السياسى، وأنه دون ذلك فهو يعنى نوعاً من الموت، لقد فرضنا بما يحدث فى مصر من حراك سياسى فى أعقاب ثورة يناير.

ولكن فى هذه الأيام رأينا أن الأمر قد بدأ يتحول إلى نوع من الشجار والعراك الذى قد أفرغ الثورة من مضمونها، وقد وصل بنا إلى حالة من العبثية أو حالة من المجون السياسى، وأصبحنا الآن فى حالة من الفوضوية التى يمكن أن تفضى بنا إلى حالة من الفراغ السياسى والذى قد دخلنا فيه بالفعل..

فمعظم مؤسسات الدولة تعانى الآن من حالة تفكك وترهل، بل إنها قد صارت منقسمة على نفسها، وهو ما يعنى أنها لن تستطيع أن تقوم بدورها، وأن ذلك التهور سوف يزيد إلى المزيد من التدهور والتفكك الذى قد يصل بنا ليس فقط إلى مرحلة الدولة الفاشلة الذى يتحدث عنه البعض أو انهيار الدولة، ولكن يصل بنا إلى تحطيم كيان الدولة أى مصر، ونصبح أمام شبه دولة أو أن مصر سوف تصبح فيما بعد من قبيل التراث..

إذ أن مثل هذه الأوضاع محصلتها النهائية هى الضياع الذى يعنى الانفصال والانقسام.. والنماذج من حولنا عديدة؛ العراق والسودان وفى الطريق ليبيا ولبنان وسوريا، قد دخلت فى نفس المنطقة العربية يعاد تخطيطها مرة أخرى، وتغير طريقها، وذلك هو الحلم الاستعمارى القديم الحديث.. ولكن ذلك التفكك سوف يصبح بأيدينا، أن سوف نكون كالنار التى تأكل بعضها، فهل آن لنا أن نفيق قبل فوات الأوان، وأن ندرك الوضع قبل أن تدركنا هذه المصائب والنوائب.
الجريدة الرسمية