نسيم.. قلبُ الأسدِ الذي أذلَّ الموساد (3)
مصدرنا في رواية تفاصيل عملية تدمير الحفار الإسرائيلي، هو موقع "المجموعة 77 مؤرخين".. في البداية، سافر مُحمد أحمد نسيم "قلب الأسد"، من القاهرة إلى لواء الصاعقة البحرية "الضفادع البشرية"، في أبي قير بالإسكندرية، واختار بنفسه المجموعة المعاونة.
وحرص على عدم كشف أسرار العملية، حتى لمجموعة التنفيذ، فأبلغهم أنها عملية روتينية لتدمير "سفينة تُجارية" مُتوسطة الحجم بواسطة أربعة ألغام بحرية عادية، وأن ترتيبات التنفيذ لن تختلف عن مثيلاتها خلال العمليات الخاصة ضد السواحل المُعادية.
كان "قلب الأسد" هو، نفسه، قائد "عملية الحاج"، وقد تلقى معلومات بأن الحفار سيصل إلى ميناء مدينة داكار في السنغال عصر الإثنين 12 فبراير عام 1970، وكان وقتها مُتواجدًا بباريس، لتوفير المُعدات اللازمة للعملية، مع التأكُد من المعلومات النهائية لخط سير الهدف، فأرسل للقاهرة برقية شفرية من سطر واحد، كان نصها: (السيد مُحمد عزيز مصري أرسل البضائع لعنوان ض. ب لسنج فورًا.. الحاج لن ينتظر ونتحمل غرامة التأخير).
ولو قمنا بتفكيك حروف اسم المعنون إليه في البرقية لوجدنا أن تجميع أول حرف من كُل اسم يُنتج (معم) كان موجهًا لجهاز المعلومات المصري، وأن العنوان احتوى على الضفادع البشرية والسنغال، وكود العملية (الحاج)، والتحذير من أن التأخير سيؤدي إلى فقدان آثار الهدف.
ونظرًا لعدم توافر خطوط جوية مدنية مُباشرة بين القاهرة والسنغال أيامها، وللمزيد من التمويه، طار فريق الضفادع البشرية على الفور إلى باريس تحت هوية فنيي تشييد كبارٍ، ومشروعاتٍ هندسية، كما حمل "قلب الأسد" هُوية مقاول مشروعات هندسية ذي خبرة طويلة وصل لتقديم طلب مُشاركة بمُناقصة حكومية عادية.
بعدها بنحو 24 ساعة، كان فريق الضفادع قد وصل إلى داكار، وانتظر الفريق المصري بصمت تام التعليمات النهائية من "قلب الأسد"، لكنه ألغى العملية في ليلة التنفيذ؛ بعدما توقفت قاطرة الحفار بداخل حوض بحري كان على مسافة 50 مترًا من القاعدة البحرية العسكرية الفرنسية التي غطت أبراج المُراقبة والحراسات فيها كُل المنطقة في مُحيط 5 كيلو مترات.
وعليه، عاد الفريق صباح اليوم التالي على نفس الطائرة الفرنسية إلى باريس، بعدما افتعلوا مُشكلةً مع مكتب تسجيل المُناقصات الحكومية السنغالية، حيث اعترضوا على الرسوم المُبالغ فيها لتسجيل طلبهم، حيث بدا الأمر طبيعيًّا للغاية.
استمر "مُحمد أحمد نسيم" وحيدًا في داكار، حيث قضى بها عيد الأضحى، بعدما فشل في اللحاق بالطائرة الفرنسية التالية التي توقفت لعُطل فنيٍّ طارئ في المغرب، ويومها اشترى خروفًا، قال عنه إنه كان أرخص خروف أُضحية اشتراه في حياته، وإنه فكر ذلك اليوم في امتهان تجارة المواشي الأفريقية الرخيصة عقب خروجه من الخدمة.
وبالفعل ساعد بعدها الرئيس السادات في فترة التجهيز لحرب أكتوبر لتوفير اللحوم الأفريقية لمصر من السنغال، مع أنه كان وقتها قد غادر الخدمة السرية الرسمية في مايو 1971.
بعد يومين عاد "قلب الأسد" إلى القاهرة، وبدأت الأعصاب تتوتر، وكان الوقت يضيق بعدما اختفت في عرض المُحيط الأطلسي آثار قاطرة الحفار التي رافقتها عناصر من مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة "جهاز الموساد الإسرائيلي".
وفجأة كسرت الجمودَ معلومة قدمها بحارٌ إفريقيٌّ مُتعاونٌ، كشفت عن وجود عُطب في جسم القاطرة الهولندية ظهر في داكار، وأن خط سير الحفار سيُجبره حتمًا على التوقف للإصلاح وللتزود بالوقود والمؤن في حوض بميناء أبيدجان بساحل العاج، في محطته التالية على المُحيط الأطلسي، ذلك أن قطع الغيار المُستوردة التي لم تكُن متوافرة في السنغال موجودة بكثرة في ساحل العاج، وبالفعل ظهر الحفار عصر الإثنين 2 مارس 1970.
سابقَ "قلب الأسد" الزمن من القاهرة إلى باريس، ومنها إلى ساحل العاج، وفي السابعة والنصف مساء 7 مارس 1970 لحق به فريق الضفادع المصرية، ولكن بهُويَّات مُختلفة لمجموعة تصوير مُحترفة مُتخصصة في توثيق الحياة البرية وأفلام الأدغال.
وكأنَّ السماء قد ساعدت في تمويه الظروف، فبالصُدفة البحتة، وصل فجأة إلى أبيدجان فريق من رواد الفضاء الأمريكيين لتلبية زيارة خاصة، ومعهم مجموعة كبيرة من المصورين من مُختلف وسائل الإعلام العالمية، فأصبح تواجُد فريق المصورين المصري طبيعيًّا للغاية.
راقب "قلب الأسد" الهدف من الساحل، وبقارب سريعٍ في أول ليلة، موقع الحفار، وتابع أسلوب حراسته بمُساعدة عناصر سرية عملت في مقر السفارة المصرية في ساحل العاج حيث جمع بيانات احتاجها لإصدار أمر تنفيذ العملية.
للحديث بقية.