"الريس زكريا".. درَّب "الشوان" وأنقذ ياسر عرفات
يصدق عليه الوصف "بطل الظل" الذي يعمل وينجز في صمت، أو "الجندي المجهول".. فحياة هذه النوعية من الأبطال، والعظماء غالبًا ما تمضي بعيدًا عن الأضواء، فلا يكاد أحد يعلم عنه شيئًا، حتى أقرب المقربين منه.. فهو في العلن إنسان عادي، يروح إلى عمله، ويمارس مهام وظيفته "العادية جدًّا".. لكنه في الحقيقة يقدم أعمالًا من شأنها تغيير موازين القوى، بل ومجرى التاريخ في بلده، وفي المنطقة، وفي العالم بأسره!
بطلنا اليوم من مواليد محافظة الدقهلية، بمدينة محلة الدمنة عام 1935، حاصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1955. أنه اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، وزير التنمية المحلية الأسبق.
عين ملحقًا عسكريًّا بعدد من السفارات المصرية، كما تولى منصب نائب رئيس الأمن القومي، خلال الفترة بين 1992-1994، ومحافظًا للإسماعيلية خلال الفترة بين 1994- 1997، ومحافظًا للإسكندرية خلال الفترة بين 1997-2006، ويعتبر هو مؤسس الإسكندرية الحديثة، وصاحب الفضل في توسيع الكورنيش بتصميمه الحديث، وكوبري استانلي.
صدر قرار بتعيين "المحجوب" وزيرًا للتنمية المحلية في عام 2006 بناء على القرار الجمهوري الصادر في 27 أغسطس من العام نفسه. خاض الانتخابات البرلمانية عام 2010 ضد القيادي بجماعة الإخوان المحامي صبحي صالح عن دائرة الرمل، وفاز بنسبة أصوات بلغت 88%.
تولى منصب نائب مدير المخابرات العامة، وقت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك في العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا»، وهو صاحب فكرة الإصرار على اصطحاب "مبارك" للسيارة المصفحة خلال الرحلة.
كان هو ضابط الحالة الخاص بالجاسوس الشهير "جمعة الشوان"، وكان "الشوان" قد كشف عن تلك المعلومة في أحد اللقاءات،
ولعب دوره الفنان الراحل "صلاح قابيل" في مسلسل "دموع في عيون وقحة"، وكان يدعى "الريس زكريا".
"أحمد الهوان" الشهير بـ "جمعة الشوان"، قال في أحد لقاءاته في السبعينيات، إن "الريس زكريا" هو اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، وعن دوره في عملية تجنيده، قال "الشوان": "عندما تركتُ السويس، واتجهت إلى أثينا بحثًا عن عمل، تقابلت مع المحجوب أو الريس زكريا، وأخبرني أنه من محافظة دمياط، ويبحث عن عمل، وعندما ضاقت بي الدنيا بأثينا، عرضتُ عليه شراء ساعتي كى آكل بثمنها..
وبعدها حاول الموساد الإسرائيلى اصطيادي للعمل لصالحهم، فتوجهت إلى المخابرات المصرية لأخبرهم بما حدث معي، وهناك قابلت هذا الرجل، ففوجئت بأنه ضابط بالمخابرات المصرية، وأعاد لي الساعة التي اشتراها مني، ومن وقتها صار الضابط المسئول عني".
وقال "الشوان": إن التحدي الأكبر الذي واجهه "المحجوب" في عملية "جمعة الشوان"، تَمَثَّل في كيفية إدارة العملية من اليونان بعيدًا عن عيون عناصر الموساد، مشيرًا إلى وجود محطة تجسس للمخابرات الإسرائيلية هناك.. وساهم اللواء محمد عبد السلام في اجتياز الهوان، جهاز كشف الكذب، وحصلت المخابرات المصرية، عن طريق الهوان، على أسرع وأصغر جهاز لاسلكى لا يوجد منه سوى 4 أجهزة في العالم كله آنذاك..
حيث كان يستخدمه الموساد في التراسل، بالإضافة إلى تفكيك العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية في مصر، وبعض البلدان العربية.
وعن عملية "جمعة الشوان"، قال "المحجوب" إنها تسببت في إرباك جهاز "الموساد" لعدة سنوات، ودفعته إلى التخلص من العديد من عملائه المخلصين، خشية أن يكون قد تم الدفع بهم من قبل المخابرات المصرية، كما أدى نجاح هذه العملية إلى تخلص "الموساد" من العديد من ضباطه وقادته أيضًا؛ لفشلهم، وأرغمتهم على إعادة النظر في كل الأساليب والتقنيات التي كانت تستخدمها المخابرات الإسرائيلية خاصة في مجال الكشف عن الكذب.
كما ارتبط اسم "عبدالسلام المحجوب" بواحدة من أشهر عمليات جهاز المخابرات العامة المصرية؛ حيث قاد العملية المخابراتية التي أخرجت الزعيم الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" من بيروت في الثمانينيات، بعد أن حاصرتها إسرائيل بهدف اغتياله.
وتولى "المحجوب"، الإشراف على عدد من العمليات البطولية الرائعة، منها عملية تدمير "الحفار" الإسرائيلي، وعمل خلال تلك الفترة، على تجنيد عدد كبير من ضباط الشرطة الأوربيين، كما قام بتسهيل شحن المتفجرات الخاصة بعملية الحفار، عن طريق وضع الألغام والملابس والمعدات في حقائب، وتغطيتها بمادة لمنع أي أجهزة من كشف ما بداخلها، كما وضع أقلام التفجير داخل علبة أقلام أنيقة في جيب "الجاكيت" الذي كان يرتديه.
وفي عملية أخرى، حققت نجاحًا سياسيًّا مدويًّا وقتها، استطاع "المحجوب" تهريب العديد من أسر المعارضين الليبيين، الذين كانوا ممنوعين من السفر بطرابلس، في عهد العقيد الراحل "معمر القذافي"، إبان خلافه مع "السادات"، وظلت العملية محفورة في ذاكرة "القذافي"، حتى أنه طلب في إحدى زياراته لمصر بعد عدة سنوات، رؤية ضابط المخابرات الذي تمكن من تهريب أسر معارضيه..
وكان وقتها "محمد عبد السلام المحجوب" محافظًا للإسكندرية، وعندما قابله "القذافى" طلب منه أن يخبره عن الأسلوب المخابراتى الذي اتبعه لتخليص أسر المعارضين الذين كانوا تحت مراقبة مشددة، وكيفية تهريبهم من ليبيا، لكنه اعتذر للقذافى بلباقة عن التحدث عن أسلوب عمل المخابرات المصرية.