وقت تجديد الخطاب الرسمي
الجميع كان يعرف زيادة أسعار الوقود وتحرير سعر بنزين ٩٥ حسب أسعار السوق.. وهو إجراء متوقع منذ سنوات... وبالتحديد بعد ٣٠ يونيو عندما أبرمت مصر اتفاقية مع صندوق النقد الدولي وكان أحد شروطها رفع الدعم المبالغ فيه، والتي انخرطت به مصر منذ أيام عبد الناصر فكان إجراء ضروريا، وعلميًا فإن نموذج دعم الوقود في مصر كان دعما مقلوبا وكان يقوم فيه الفقراء بدفع تكلفة دعم الوقود الذي تستفيد منه الشرائح الأعلى دخلًا، وبالتالي لا تتحقق استفادة حقيقية للفقراء.
وطبقًا لبحث الدخل والإنفاق لعام 2015 فإن 7.9% فقط من الأسر المصرية تمتلك سيارات خاصة، ويبلغ عدد السيارات الملاكي في نهاية 2017 نحو 7.4 مليون سيارة.
كما أن الزعم بأن دعم_الوقود يصل للأسر الفقيرة في صورة أسعار النقل والمواصلات هو ادعاء غير حقيقي حيث أنه أيضًا طبقًا لنفس البحث فإن نسبة ما تنفقه الأسرة على النقل يبلغ نحو 6.3% من دخلها، ومن ثم فإن دعم الوقود بهدف دعم النقل لا يشكل دعما حقيقيا للأسر الأكثر فقرًا، خاصة وأن ما تنفقه الأسر على الطعام والشراب هو الجزء الأكبر من الإنفاق ويبلغ 34%.
غير أن تجديد الخطاب الحكومي بات مطلوبا بإدارة محترفة، حيث ركزت الحملة الإعلامية والإعلانية تمهيدا لرفع الدعم عن المحروقات والزيادة في فواتير الكهرباء والمياه وكل الرسوم والخدمات على زيادة النعرة الطبقية، وركز الخطاب على التفاوت بين طبقات المجتمع وزاد الشحن عن حده إلى درجة قد تهدد السلم والأمن المجتمعى، لأن الخطاب ركز على الطبقات الدنيا والمهمشة التي تعانى بسبب أن هناك طبقة تحصل على مكتسباته وتمنع عنه حقوقه وتقاوم سياسات الحكومة في منحه المزيد.
وتغافل مصمم الخطاب أو الإعلان تصريحات وزير المالية بأن الضرائب تمثل من ٧٥ إلى ٨٠ % من موازنة الدولة، أي أن دافع الضرائب من الطبقة العليا والطبقة المتوسطة بكل تنويعاتها هي التي تدفع الدعم وبرامح الضمان الاجتماعى، وهى الطبقات التي ترفع عن كاهل الدولة مسئولية تعليم أولادها وعلاجهم وكل ما يرتبط بنواحى حياتهم، وتدفع ثمن الخدمات والرسوم مضاعفة في كل شيء.
والأمر هكذا فمن المفيد دراسة الآثار السلبية للخطاب التسويقي لرفع الدعم ودراسة آثاره السلبية والبدء في إعداد خطاب يعيد الدفء والتماسك والتراحم بين ابناء المجتمع المصرى، وكفانا تحميل المواطن فشل الإدارات الماضية، ولا ننسى أن مطلب العدالة الاجتماعية كان المحرك الرئيس للثورات المصرية، خصوصًا ثورتا 23 يوليو 1952 و25 يناير 2011.
لكنه لم يخرج عن كونه شعارًا براقًا تغازل به القوى الثورية، الطبقات الكادحة، لضمّها إلى الحراك الثوري، قبل أن تتبخر آمالها الضئيلة أمام السياسات العامة التي تتبناها الحكومات.
والغريب أن في كل مؤسسات مصر سيارات فارهة لكبار الموظفين وبطانتهم بلا أي مبرر، وطبعا كروت بنزين بلا سقف، فلماذا لا نفكر في إلغاء أسطول السيارات غير المبرر لمؤسسات حكومية وقبل أن نطالب المواطن بالترشيد، فالأولي أن تبلغ الحكومة رشدها!!
وفي ظل الأرقام المتضاربة حول نسبة الفقر فقد كان من المفترض إعلان مؤشرات بحوث الإنفاق والدخل فبراير الماضي، ولكن تأجل لأسباب غير معلومة، وكان آخر رقم معلن هو 27.8%، ومتوسط خط الفقر وقتها كان يبلغ 5787.9 جنيه سنويا، أو 482 جنيها شهريا، (بما يعادل 1.8 دولار يوميا وقتها أي قبل تعويم الجنيه في نوفمبر 2016).. ومن المفترض أن تعديل قيمة خط الفقر بعد تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار.