الأُميَّة في مِصرَ.. وجهٌ آخرُ للمأساة!!
بعيدًا عن كرنفالات الثانوية العامة، وأصحاب المجاميع الخُرافية الذين قد يعجزون عن تحقيق طموحاتهم بالالتحاق بالكليات التي خططوا لها وسهروا الليالى من أجلها، في ظل نظام تعليمى مترنح، يثبت فشله عامًا بعد عام، فإن هناك على الشاطئ الآخر من النهر وجهًا آخر للمأساة يتمثل في تنامى ظاهرة الأمية في مصر.
قد لا يعلم الكثيرون أن هناك هيئة حكومية متخصصة لمكافحة الأمية، اسمها "هيئة تعليم الكبار"، تصل ميزانيتها إلى نحو 300 مليون جنيه سنويًا، ورغم ذلك فإن الإحصائيات والتقارير الصادرة عن جهات حكومية تكشف ارتفاع أعداد من يجهلون القراءة والكتابة في مصر إلى ما يزيد على 20 مليونًا، وهو رقم قابل للزيادة، بكل تأكيد!
الحملات الإعلامية والجهود الحكومية لمواجهة هذه الظاهرة البغيضة بتداعياتها الأشد بغضًا لم تؤتِ ثمارها، وتشبه في فشلها نفس نتائج مقاومة الزيادة السكانية، ما يعنى غياب الدراسة، وعشوائية التعاطى مع القضايا والمشكلات المستعصية، فلا الأمية انحسرت، ولا الزيادة السكانية تراجعت، وكلاهما يمضى بقوة وبوتيرة منتظمة إلى الأمام وليس الخلف!.
في وقت سابق.. أعدَّ الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، دراسة تفصيلية عن حجم الأمية بمصر، وقدَّرها بنحو 20 مليونًا، ما يوازى 20% من عدد السكان، وهى نسبة كاشفة ودالة ومؤسفة، ويجب أن تكون مزعجة لأصحاب القرار في البلاد.
وبحسب "الدراسة الحكومية".. فإن أعلى نسـبة لمعـدلات الأمية في الصعيد، تحققت في محافظة المنيا بـ 37.2%، تلاها بنى سويف بـ 35.9%، وأسيوط بـ 34.6%، وسوهاج بـ 33.6%. كما حققت محافظة البحيرة أعلى معدلات الأمية بالوجه البحرى بنسبة وصلت إلى 32.9%، تلاها محافظة كفر الشيخ بـ 28.5%. وبالنسبة للمحافظات الحدودية، فقد سجلت محافظـة مطروح النسبة الأكبر بـ 31.9%، تلاها شمال سيناء بـ 22.2%.
أصداء الأزمة وصلت إلى أروقة مجلس النواب، حتى إن إحدى النائبات اعترضت على أداء "هيئة تعليم الكبار"، وقالت في حضور ممثلها: "مطلوب خطة واضحة من الهيئة وكيفية تحقيق المستهدف؛ لأن كده أنا عندى هيئة لا تقدم إنتاجية، عايزين رؤيتكم عشان نشوف ممكن نستبدل الهيئة اللى بتاخد 300 مليون جنيه موازنة سنويا بتروح فين"؟
قضية الأمية ليست قضية ترفيهية، حتى تتغافل عنها حكومة الدكتور "مصطفى مدبولى"، أو لا تجعلها ضمن أولوياتها المُلحة. هذا تفكيرٌ قاصرٌ وبائسٌ. يجب على رئيس الحكومة أن يتخلى "مؤقتًا" عن "عقلية المقاول" في إدارة الأمور، ويبحث عن حلول عملية وسريعة.
ليس صحيحًا أن بناء الحجر أولى من بناء البشر. القضاء على الأمية يؤدى بالضرورة إلى نجاح جهود مكافحة الانفجار السكانى، كما قد يسهم في تراجع وتيرة الجريمة والانفلات الأخلاقى. أما الإصرار على سياسة العمل في جزر منعزلة، وعدم ترتيب الأولويات على نحو جيد، وعدم إسناد الأمر إلى أهله، فإن كل ذلك سوف يدفع بنا دفعًا، إلى ما هو أسوأ وأضل سبيلًا.