"تضخم مؤشر" درجات الثانوية العامة.. بين الصدمة والمشكلة!
أن يحصل طالب علمي علوم على 90% ولا يجد نفسه في الكلية التي يرغبها أو في كلية من قطاع الطب، فهذه مشكلة، فما بالكم بطالب جمع 97% ويرغب في دراسة الطب فيجد نفسه في كلية العلوم فهذه كارثة ضحيتها الطلاب والأهالي، الذين رقصوا وغنوا فرحا ليفيقوا على صدمة الحد الأدنى للمرحلة الأولى.
ارتفاع معدل الدرجات في الثانوية العامة مشكلة أكاديمية لم يلق لها وزير التعليم الحالي ولا سابقيه أية أهمية، والأمر ليس سرا أو اكتشافًا فمؤشر الدرجات من أسس تقييم وقياس نتائج التعليم.
ليس هناك مؤشر قياسي للدرجات لكن المتعارف عليه ألا يتجاوز نسبة الحاصلين على 50%-65% من مجموع الدرجات عن 15% من مجموع الطلاب الناجحين، وألا يتجاوز عدد الحاصلين على 85%-100% من مجموع الدرجات عن 15% من مجموع الطلاب الناجحين، في حين يتركز الغالبية من الطلاب الناجحين – أي نحو 70% - بين مجموع 65% و85% من مجموع الدرجات. فما بالكم وعدد الحاصلين على مجموع بين 95% و100% هذا العام – أي في مجال 5% فقط – عن 17% من مجموع الطلاب الناجحين. أليست هذه كارثة؟
تضخم الدرجات أو Grade Inflation يشابه تضخم الاقتصاد. في البلاد التي يتضخم فيها الاقتصاد مثل لبنان، لا تشتري لك الـ 1000 ليرة اللبنانية 10 أرغفة من الخبز، ولا تشتري لك 15 ألف ليرة لبنانية كيلو لحمة. في البلاد التي يتضخم فيها الاقتصاد مثل لبنان، لا يستطيع الموظف الذي يتقاضي 600 ألف ليرة لبنانية أن يعيش.
عندما يتضخم الاقتصاد تصبح عملة البلد بلا قيمة سوقية حقيقية، وعندما تتضخم الدرجات تصبح الدرجات بلا قيمة حقيقية. لكن ما الذي يؤدي إلى مشكلة تضخم مؤشر الدرجات؟
للمشكلة أسباب عديدة، وسأبدا بالأكثر شيوعًا وتأثيرًا في ظني وفي ظل قوّلبة التعليم. السبب الأول يرتبط بالممتحنين أي واضعي الأسئلة، فالمفروض أن يعبر كل امتحان عن مؤشر الدرجات بحيث لا تزيد نسبة الطلاب الذين يحصلون على مجموع 85% فأكثر عن 15% من عدد الطلاب الناجحين، ويعني ذلك أن تكون هناك أسئلة تعتمد على فهم الطالب وليست حفظه. ويعني ذلك أن يتم تقسيم أسئلة الامتحان بحيث تكون 15% من الأسئلة سهلة جدا، و15% من الأسئلة شديدة الصعوبة، فين حين يتراوح 70% من الأسئلة ما بين السهولة، ومتوسطة الصعوبة والصعبة، بحيث تكون 50% من الأسئلة سهلة، 10% من الأسئلة متوسطة الصعوبة، و10% من الأسئلة صعبة.
قد يقول البعض أن الإمتحانات تضمنت بالفعل أسئلة صعبة وبعضها كان شديد الصعوبة وأن امتحانات الرياضة والكيمياء والفيزياء لا تعتمد بالضرورة على الحفظ، فأين تكمن المشكلة؟ المشكلة هي أن ممتحني الثانوية العامة لا يغيرون من طبيعة الأسئلة الصعبة وشديد الصعوبة فالأسئلة الصعبة لها نماذج تدرب الطلاب عليها وإجاباتها أو طرق الإجابة عليها "محفوظة"، والأسئلة شديدة الصعوبة لها نماذج تدرب الطلاب عليها وإجاباتها أو طرق الإجابة عليها "محفوظة".
عندما تصبح الأسئلة الصعبة وشديدة الصعوبة لها نماذج تدرب الطلاب عليها مسبقًا يكون الامتحان وقتها مقياسًا لحفظ الطالب وليس فهمه. إذا أردت أن تختبر فهم طالب متميز في امتحان فعلى الامتحان أن يتضمن أسئلة لم يراها الطالب من قبل.
الضغط المجتمعي هو سبب ثانِ. فالذعر الذي ينتاب الأهالي كلما تضمن الإمتحانات أسئلة لم يتدرب عليها الطالب من قبل يؤثر على الممتحنين أو واضعي أسئلة الامتحانات، فيبتعدوا عن الأسئلة الجديدة التي لم يتعود الطالب عليها، أو الأسئلة التي تفاجئه في الامتحان، وتتطلب تركيزا عاليًا وقدرة على التحليل لن تتوفر إلى للطلاب المتميزين فقط. أما السبب الثالث فيرتبط بحدوث حالات غش جماعي بأعداد كبيرة أو تسريب لأسئلة الامتحانات.
تضخم مؤشر درجات الثانوية العامة فيه ظلم كبير للطلاب المتميزين، وقتل لأحلامهم، ويؤدي بالطلاب الناجحين إلى الإحباط، ولسان حالهم يتساءلون: إذا كانوا حصلوا على 95% أو 96% أو 97% ولم يظفروا بالكلية والدراسة التي يحلمون بها، فماذا عساهم أن يفعلوا؟
تضخم مؤشر درجات الثانوية العامة هو نموذج آخر من نماذج فشل التعليم في مصر، بينما يحدثنا وزير التربية والتعليم عن تطوير التعليم... فعلًا تطوير!