رئيس التحرير
عصام كامل

فيلق النساء


العنوان صاغته شهيدة الغدر الناقدة والكاتبة الخالة "نفيسة قنديل"؛ زوجة الشاعر الراحل محمد عفيفى مطر، قبل قرابة أربعة عقود؛ حينما كانت تسطر مقالاتها بمجلة الأقلام العراقية وعدد من الإصدارات اللبنانية والعربية.


أربعة أشهر بالتمام؛ مرت على استشهاد نفيسة العلم؛ التي كنت أقضي بعضا من إجازاتي في حضرتها؛ حتى جاءني خبر نهايتها على يد ابن شقاق مجتمعي؛ في ريف غرق مبكرا في الفراق العائلي؛ مع أولى موجات التسطيح المعرفي عبر وسائل التناحر الإلكترونية.

كانت كتاباتها تلدغ الداعيات لمساواة تامة مستحيلة بين الرجل والمرأة تناقض طبيعة النساء وتتجاوز خطايا المجتمعات الذكورية؛ مع النشأة المبكرة لـ"فيلق النساء" الذي تحدت نفيسة العلم مؤسساته بحجج وبراهين عقلية ونقلية على استحالة تحقيق مساواة بمفهومهن، ظهرت ردود أفعال مجتمعية عربية مبكرة على توجهات ناشطات أسسن لمنظمات ومجالس؛ تتجاهل السؤال عنهن في مرضهن ومحنتهن حاليا؛ وصلت حد إهانتهن في فعاليات نسوية خالصة ببلدان سبقتنا فيما تسميه "تحرير النساء".

أدركت الكاتبة الراحلة؛ مبكرا؛ خطورة ما ستنتهى إليه أفكار أولئك النسوة المتمردات على طبيعتهن، وما سيجنيه المجتمع كله من خراب جراء تحويل نظرياتهن إلى تشريعات مهترئة تحت رعاية السيدة الأولى في زمن استنساخ مشروع توريث السلطة، حتى إذا ما جاءت دساتير ما بعد يناير ٢٠١١ مشرعنة لما أسسته أفكار عضوات "الفيلق الأول"، كانت الإحصائيات الرسمية صادمة لأصحاب القرار بشأن أحوال الأسرة المصرية ونسب الطلاق وأعداد أطفال الشقاق.

أثمرت جهود الفيلق الأول ظهور ناشطات داعيات لقطع الأرحام مشجعات بقوة على الطلاق والشقاق؛ ظاهرات بشدة على وسائل إعلام لا تنتبه لميثاق شرف أو عقد اجتماعي أو مؤثر سلبي على أجيال جديدة؛ باتت تفكر بمعزل عن مشروع جامع فيما يتعلق بمستقبلها المجتمعي والعائلي، حتى إن رئيس الجمهورية ذاته وصف قطاعا كبيرا بينها بأبناء "الشقاق الصامت" داخل بيوت لم تحصل رسميا على خاتم الخراب بالطلاق.

الشقاق في صراع المساواة المزعومة؛ انتقل بالتبعية إلى ساحات التشريع مجددا وبشكل أكثر تطورا وإثارة؛ لنجد البرلمان تائها أمام مشروعات القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية والأسرة، وما بين حقوق ومكتسبات الأطراف كافة والعوائد الاقتصادية الناتجة عن استمرار وتعزيز الصراع على أطراف مستفيدة، ترجو فئة طفيلية صدور تشريع به أكبر قدر من الرقعات والثقوب لتظل الأزمة قائمة؛ ولم لا؛ وقد غابت رؤية معتدلة للفصل أو الدمج بين ما هو شرعي وما هو وضعي في مناقشات القانون المرتقب.

الآن؛ وبعد غياب زمن التكامل بين الزوجين الذي عاشته وعاصرته "نفيسة قنديل" في غربة متكررة مع "مطر"، تتألق نماذج جديدة كثمار لجهود فيلق النساء المعاصر، تظهر في ملفات قضايا الطلاق تثير تعجب مطالعيها؛ بعد اعتصار سنوات العمر ومحاولات استدراك شباب لن يعود؛ كزوج يكسر زوجته بمشاركة أخريات لها حياته الأخيرة بعد رحلة معاناتها معه؛ أو امرأة تسرف في طموحها بحل التطليق من رفيق العمر بعد "تقليبه" واستحلال ماله وأولادهما، والنماذج لا تنتهى متأثرة بأفكار لا تعترف بإرشاد إلهي بألا نتمنى ما فضل الخالق به بعضنا على بعض.

لم تهدأ "نفيسة قنديل" حتى لحقت بزوجها التي تحققت أمنيته سابقا بالموت بين يديها؛ وصدقت توقعاته بموتها وحيدة؛ شهيدة كما تمنت من خالقها؛ وكانت آخر وصاياها لنا "رفقا بأطفالكم.. فشقاقكم لم يصنعوه وعصركم لم يعيشوه؛ ونزعات نفوسكم لم يطلعوا عليها حتى يفسروا من تسوقونه من مبررات فشلكم".
الجريدة الرسمية