رئيس التحرير
عصام كامل

القديس الأنبا شنودة.. حكاية متوحد واجه الاستعمار

القديس الأنبا شنودة
القديس الأنبا شنودة

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، خاصة أقباط سوهاج، بعيد القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بالجبل الغربي بسوهاج، حتى الرابع من شهر أغسطس المقبل، بمشاركة الآلاف من شعب الكنيسة، وبعض أساقفة المجمع المقدس.


يعتبر القديس الأنبا شنودة، أهم شخصية تمثل رهبنة الشركة في مصر بعد القديس باخوميوس. دُعي "أرشمندريت" أي رئيس المتوحدين، لأنه كان يمارس حياة الوحدة من حين إلى آخر. لقد شجع بعض رهبانه على الانسحاب إلى البرية بعد سنوات قليلة من ممارستهم حياة الشركة، دون قطع علاقتهم بالدير تمامًا. بينما رأي القديس باخوميوس في "الشركة" ذُروة السموّ الرهباني، أما القديس شنودة فيراها مرحلة انتقالية تُعد النفوس الناضجة لحياة المتوحدين الأكثر نسكًا.

كان رئيسًا للدير الأبيض في إتريب في صحراء طيبة، لأكثر من 56 عامًا (القرن الرابع/ الخامس). قاد نحو 2200 راهبًا و1800 راهبة، ولم يقبل في ديره أجنبيًا ليلتحق بجماعته الرهبانية، بل كان جميع رهبانه من الأقباط الأصليين. لهذا عزف كثير من الأوربيين ذكر اسمه في الفترة الخاصة بآباء البرية، كما لم يترجموا شيئًا من أعماله على مدي قرون طويلة.

"شنودة" هو الشكل الصعيدي لاسم رئيس المتوحدين الذي عاش في الصعيد. لم يستعمل غير اللهجة الصعيدية في كتاباته وخطبه وحديثه اليومي، أما الشكل البحيري لاسمه فهو شنوتي ومعناها خادم الله أو المكرّس للّه.

وُلد شنودة من أبوين مسيحيين، ربّيا ابنهما على المبادئ المسيحية المُثلى، وكان لوالده حقل يشتغل فيه مع فلاحيه، كذلك كان يملك قطعانًا من الغنم، فرأى أن يدرّب ابنه على العمل منذ حداثته، فأرسل شنودة ليرعى الغنم وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره. وكان الصبي يُلازم الرعاة طيلة النهار ويعطيهم طعامه الخاص بدلًا من أن يأكله، وعند غروب الشمس بدلًا من أن يعود لأبويه مباشرة، كان يقف إلى جانب بئر ويصلي حتى ساعة متأخرة من الليل.

علم والده بمسلكه هذا استصحبه إلى خاله الراهب المعروف الأنبا بيجول، ولما وصل الاثنان إلى الدير قال له والد شنودة: "بارك يا أبي هذا الصبي"، ولكن الأنبا بيجول أخذ يد شنودة ووضعها على رأسه قائلًا: "أنا الذي يجب أن ينال البركة من هذا الصبي لأنه إناء مختار للسيد المسيح، الذي سيخدمه بأمانة كل أيام حياته". فلما سمع أبو شنودة هذه الكلمات تطاير قلبه فرحًا واستودع الولد خاله، فنشأ شنودة منذ صباه في دير خاله، ومنه اقتبس كل الفضائل المسيحية.

مع أن القديس الأنبا شنودة كان شغوفًا بالعُزلة منذ صباه إلا أنه شاطر العالم حياته، إذ كان يرقب الأحداث والتقلبات السياسية بدقة واهتمام، مدركًا أن التلميذ المخلص للمسيح هو من يوصل رسالته إلى غيره من بني الإنسان. وحين جال ببصره حوله رأى بني قومه يرزحون تحت أثقال من العبودية المرة: عبودية الأوهام ومخاوف توحيها إليهم الوثنية، وعبودية للحكام البيزنطيين الذين كانوا يمتصون دماء الشعب الكادح ويسلبهم عرق جباههم، صمم على أن يكرّس لتحريرهم. بدأ بتحريرهم من مخاوفهم بأن بيّن لهم أن العناية الإلهية تقيهم كل أذى، وقرن تعليمه بالعمل، فكان يُطعم الجائع، ويكسو العريان، ويداوي المريض، ويأوي الغريب.

 وفوق هذا كله فقد كان يذهب بنفسه مع المظلوم من المصريين إلى ساحة القضاء ليترافع عنه شخصيًا، فإن لم يفلح في إقرار العدالة توجه بالشكوى إلى الإمبراطور رأسًا، ولم يهدأ له بال حتى ينال المظلوم حقّه.

في اجتماع عام أثار الجمهور بقوله: "قلوب الحكام المملوءة شرًا وخداعًا وظلمًا وطمعًا. لهم هدف واحد هو جمع المال على حساب الفقراء الذين هم الضحية. من يقدر أن يحصي الأتعاب التي يلاقيها الشعب من هؤلاء الحكام؟ فإنني أعرف بعضًا لم يجدوا طعامًا ليأكلوا هم وحيواناتهم. أظن أنهم يريدون أن يقيموا من المصريين عبيدًا لهم، يضعون النير على أكتافهم".
الجريدة الرسمية