أخيرًا.. نجح الدكتور طارق شوقي!
نقول نجح الإنسان في شيء، أي اجتازه بنجاح وأنجزه، ولا يكون النجاح إلا في تحقيق هدف، وقد تتعارض أهداف الناس، فما يراه البعض هدفًا يرجون تحقيقه يراه آخرون خطرًا يحاولون منعه، وتلك سنة الحياة، فلن تستمر إلا بصراع دائم بين الخير والشر.
ومن شأن ذلك الصراع أن يشحذ همة الطرفين ليصل كل منهما لغايته، ومن وصل ينجح بغض النظر عن طبيعة ما وصل إليه أو ما حققه، ولو كان شرًا مطلقًا، وعند نجاح أحد طرفي الصراع فإن أقرانه ومن يقفون في جانبه ويسلكون مسلكه سرعان ما يبادرون لتهنئته.
وكمواطن مصري وولي أمر لطلبة في مراحل تعليمية مختلفة قال صديق يشغل وظيفة مرموقة لي ولأصدقاء مشتركين آخرين بملء فمه: نعم نجح الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم في هدم المعبد على رؤوسنا جميعًا، أولياء أمور وطلبة على السواء.
- نجح طارق شوقي في قتل بواعث ودوافع التفوق في نفوس أبنائنا بعد أن أصبحت ظاهرتي تسريب الامتحانات والغش الجماعي سيدتي الموقف بلا منازع.
ومن يتفوق من الطلاب رغم ذلك متمردًا على هاتين الظاهرتين تلاحقه لعنة اللامبالاة والإهمال في التصحيح والتي نمت وتأصلت لتقضي على ما تبقى لدى من تفوق من آمال.
- نجح الوزير طارق شوقي كذلك في جني ثمار الإصلاح التعليمي وعلى وجه الخصوص في الصفين الأول الثانوي والأول الابتدائي اللذين نالا حظيهما الوافر بتطبيق النظام التعليمي الجديد عليهما ليصبح كل طالب بأي منهما تائهًا هو وولي أمره لا يعلمان إلى أين المنتهى.
ولا يدرك هذا النجاح وتلك الثمار إلا من كان له إبن بأحد هذين الصفين، فالأول الثانوي حصد تلك الثمار على الملأ.
أما تلاميذ الصف الأول الابتدائي فقد تاهوا وتاه أولياء أمورهم في نظام تعليمي خلا من الامتحانات ومناهج ما هي إلا ذبح لنا بسكين بارد، نقف أمامها عاجزين عن مساعدة أبناءنا، وسط مدارس تخلو من طلبة هذا الصف تمامًا بعد أسبوعين من بداية الفصل الدراسي، لتسقط كل الشعارات الزائفة التي تعبنا من سماعها من أن هذا النظام يقضي على الدروس الخصوصية، لنجده خلاقا لمافيا جديدة وشرسة للدروس الخصوصية بمفهوم أعمق.
- نجح طارق شوقي وبتفوق في هدم التعليم التجريبي وتحويله من نظام تعليمي يبتغيه معظم المصريين لأبنائهم، ويتسابقون في الالتحاق به إلى نظام تعليمي يمثل نكبة على من التحق به في ظل التخبط الواضح بشأن ما يدرس به من مناهج.
وبعد أن أصبحت مدارسه تخلو من طلابها تمامًا قبل غيرها من المدارس الحكومية العادية، تاركة إيانا وأبنائنا لسد العجز التعليمي الذي تخلفه مضطرين للجوء للدروس الخصوصية، والتي أصبحت تدار علنًا في مباركة واضحة من وزارة التربية والتعليم.
وبذلك فإن سيادته قد نجح بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف في جعل العملية التعليمية كابوس قابع على صدر كل ولي أمر له إبن أو إبنة في إحدى مراحل التعليم، وكل من ينتظر ذلك مستقبلًا.
وبينما نحن نتبادل التعازي في "التعليم" يخرج علينا الأبرياء ينعون لنا "التربية" التي ما عاد لها أثر في حياة الطلاب، وهو ما يبقى معه سرادق العزاء مقامًا فالتعليم مستمر من المهد إلى اللحد، أما التربية فإن ضاعت في الصغر فلن يخفف من ألم فقدها ذلك السرادق أو غيره من سبل العزاء، ولا مقام هنا للشرح والتفصيل.
ولا نزيد على قول "أحمد شوقي" أمير الشعراء (وإذا أصيب القوم في أخلاقهم، فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا.. العلم يرفع بيتًا لا عماد له،، والجهل يهدم بيت العز والشرف)
ونحن هنا حين نتحدث عن نجاح وزير التربية والتعليم في إقصاء التعليم المصري عن مساره إلى غير رجعة، وإهمال التربية دون اكتراث، فإننا لا نهنئه بنجاحه، بل نستنهض الهمم لنقاوم معًا ذلك الخطر الداهم على مستقبل البلاد وأمن الوطن، ونتكاتف كلُ منا في مجاله ومن موقعه لإنقاذ مستقبل أبنائنا، فمستقبل الوطن في أبنائه، ومستقبل الأبناء في جودة التعليم وحُسن الخُلق.. وللحديث بقية.