رئيس التحرير
عصام كامل

برلين تفضح أكاذيب الإخوان وتعتزم إدراج قيادات الجماعة على قوائم الإرهاب.. قيادات الجماعة الإرهابية تعتمد على إستراتيجية «بعثرة الأوراق» والترهيب والترغيب لاحتواء الغضب الألماني ضدهم

شعار الاخوان المسلمين
شعار الاخوان المسلمين

>> التنظيم الدولى يلوح بارتباطه الوثيق بالمجلس المركزي للمسلمين وسيطرته على مديرية الشئون الدينية التركية المسئولة عن تدريب الأئمة في ألمانيا.


«لن نترك ألمانيا تسير في اتجاه حظر الجماعة بخطى متسارعة».. إستراتيجية وضعتها قيادات التنظيم الدولى للإخوان، في إطار خطة شاملة، لمنع صدور قرار ألماني يقضى على ما تبقى من الجماعة الإرهابية في أوروبا، وتسعى قيادات «الإخوان» إلى إعادة تنشيط الأذهان الألمانية، والتعريف بمن عاشوا معهم، على مدار العقود الماضية، تسلقوا فيها لجميع الوظائف القيادية في المجتمع، واندمجوا مع الاقتصاد الألماني، وأصبحوا أحد أهم شرايينه النابضة بالحياة.

الخطة الإخوانية تسابق الزمن، للابتعاد عن طريق الإجراءات المنتظرة من التصعيد الألماني ضدهم، لا سيما وأن القائم عليها أحد أرقي وأكثر الأجهزة الأمنية مهارة في البلاد «المخابرات»، ولكي يضمن التنظيم التأثير المطلوب، بدأ يعد العدة لحملة علاقات عامة ضخمة ينفي من خلالها اتهامات اختراقه للنسيج الاجتماعي للبلاد، حسبما أشارت وحذرت التقارير الأمنية الصادرة عن الأجهزة الألمانية.

يشير التنظيم الدولي للإخوان في الخطة الجديدة، التي يحاول بها التأثير على عواطف الألمان، إلى مساهمات الجماعة على مدار عقود في المجتمع الألماني، وكيف احتلوا فيها أعلى المناصب، ومنها وظائف قيادية بالجهاز الإداري للدولة، ويستند «الإخوان» في تنفيذ هذه المحاور مع الذهنية الألمانية، على دفاع الكثير من القوى السياسية، وبعض القيادات التنفيذية الكبيرة، عن التنظيم، ووجوده الشرعي في البلاد، وحتى تظهر الصورة بمصداقية عالية، سيلجأ التنظيم لعرض أفلام وثائقية، تثبت التناقض بين منهج الإخوان والجماعات الإسلامية العنيفة، مثل «داعش» أو تنظيم الدولة، وفي هذه الفيديوهات، يظهر حلفاء الجماعة، وشركاؤهم الألمان، كمتحدثين ومدافعين عنها، وتعتمد الجماعة في حملتها الجديدة، على لغة يمكن وصفها بـ«أبجدية بعثرة الأوراق»، الترهيب والترغيب، والكشف عن مفاتيح الاستقرار وعكسه التي تملكها الجماعة، وتهم الألمان كمجتمع، وما الذي يمكنهم المساهمة فيه لازدهار البلاد.

وبالمثل ما الذي يعد وثيق الصلة بتواجد الإخوان على الأرض، وحال تعرضهم لأي أذى، سينعكس ذلك بشدة على المجتمع.

وتلوح الجماعة في الحملة الجديدة، لارتباطها الوثيق بالمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، الذي يدخل في أنشطة عدة بالمجتمع، فضلا عن سيطرة الجماعة على مديرية الشئون الدينية في تركيا، التي تتولى مسئولية تدريب الأئمة على العمل في المساجد الألمانية؛ فتركيا هي أقرب دولة للغرب مهما اختلفوا معها سياسيًا، وبالتالي ضرب منظومة الإخوان، يمكن أن يساهم في عمل صراعات مع كل هذه التكتلات التي تشكلت على مدار عقود مضت، ومن غير الممكن ضربها أمنيا، أو حلها، دون أن تصطدم مباشرة بالقوانين الألمانية.

المثير هنا أن سعي الإخوان، للانتشار في المجتمع الألماني، والخطة الجديدة التي تبحث عن آليات تنفيذها مع كبرى شركات العلاقات العامة الألمانية، تصطدم بشكل واضح بالدوجما الإخوانية، والدعاية المكثفة التي تحاول من خلالها، إعادة بريقها المفقود وسط التجمعات الإسلامية عامة، والإسلاميين خاصة، للاستفادة من وفاة الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، فمنذ رحيله وجمعيات المساجد الألمانية التابعة للتنظيمات الدينية، تعمل بشكل مثير للانتباه، لإعلان تضامنها مع جماعة الإخوان، لدرجة أن الجماعة حشدت بعلاقاتها مع هذه الجمعيات، لإقامة صلاة الجنازة على الرئيس المعزول، في الجمعة التي أعقبت رحيله، بجميع المساجد الألمانية، التي يزيد عددها على 300 مسجد.

الجمعية الإسلامية الألمانية المعروفة اختصارًا بـ «DMG» ورئيسها خالد سويد، المصنفة من قبل سلطات الحماية الدستورية في ألمانيا باعتبارها أهم منظمة تابعة للجماعة، وهي أيضًا عضو في المجلس المركزي للمسلمين، كانت -ولا تزال- خلف المجهودات المزعومة، للبناء على وفاة مرسي، واعتباره رمزًا للأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

الدعاية المتضاربة التي يمكن أن تقسم ظهر الجماعة، وتضرب حملتها الجديدة في مقتل، تكشف عن صدق التقارير الأمنية عن الاختراق الإخواني للمجتمع الألماني، الذي عملت على تقويته منذ عقود طويلة مضت، ففي الوقت الذي تحاول إثبات صلتها بالمجتمع الألماني، وإثارة تعاطف الشارع معها، تظهر في دعاية موازية، على مشروع معادٍ للهوية الغربية بالأساس، ويتناقض مع الأسس الدستورية والسياسية الألمانية، كما تنشط الإخوان في تجمعات مريبة وثير قلق المسئولين الألمان، على شاكلة انخراطها في أنشطة ما يسمى بـ«رئاسة الديانة التركية»، الذي يقيم احتفالاته بمساجد ألمانيا، على بوصلة الاحتفالات الوطنية والدينية التركية، ما يشير إلى الارتباط الوثيق بين رئاسة الديانة التركية، والمنهج الإخواني بشكل واضح، خاصة أنها ترفع شعارات، «النبي دليلنا، والقرآن دستورنا، والجهاد طريقنا، والموت في الطريق إلى الله أعظم أمل لدينا».

هذه الخلطة المتناقضة المثيرة للتعجب، والتي تؤكد هشاشة العقلية الإخوانية، انتقدها فولكر بيك، المحاضر في مركز الدراسات الدينية في مدينة بوخوم الألمانية، العضو السابق في البوندستاج (البرلمان الاتحادي الألماني) عن حزب الخضر، وأكد أن ما تقوله المنظمات الإسلامية حول وفاة مرسي، في وقت تحاول فيه إثبات ألمانيتها، تناقضات عجيبة.

بشكل حاسم.. يقول «بيك»: تمجيد شخص مرسي، أو الإساءة للسيسي، دليل واضح، على أن العقلية الإخوانية، لم تندمج بعد مع الهوية الألمانية، رغم طول السنوات التي عاشتها الإخوان ضمن طيات المجتمع، ويكمل: تصرفات الإخوان تصطدم بالفكر والنظام الأساسي الليبرالي الديمقراطي الذي يميز المجتمع الألماني، كما كشف أن «الإخوان، هي ذراع أردوغان الطويل في المساجد الألمانية، وخاصة أن الرئيس التركي، يعمل على تمويل عدد لانهائي من المساجد في المدن الألمانية، وآخرها افتتاحه بنفسه مسجدا في مدينة كولونيا، وبإشراف وتواجد أغلب قيادات التيار الإخواني في ألمانيا، ما يعني أنهم أقرب للزعيم المناهض للقيم الغربية، أكثر من قربهم للألمان».

ما قاله «فولكر» اتفقت معه سوزان شروتر، رئيسة مركز فرانكفورت العالمي لبحوث الإسلام، والتي اعتبرت أن «جمعيات المساجد، تستغل موت مرسي، لخلق زعيم ديني، يغذي أسطورة معاناة المسلمين»، مؤكدة أنه «هناك تحالف خطير، يجرى بين جمعيات المساجد التركية، والإخوان لتقوية الجماعة وتحصينها في ألمانيا، وهو ما يتناقض مع سعي الإخوان لعمل حملة دعائية توصف وضعهم الحقيقي، وارتباطهم بالمجتمع الألماني».

وأوضحت «شروتر» أن «جمعيات المساجد التركية في ألمانيا، والتعاون المفتوح معها من جماعة الإخوان، يوضح جيدا لأي هوية تنتمي الإخوان»، مؤكدة أن حتى لجنة الفتوى الألمانية في برلين، والتي لايعرف عنها الكثير الجمهور الألماني، وربما لا يعرف أصلا، أن على أرضه تجمع بهذا الاسم، تضم كبرى قيادات الإخوان، وتعمل في ضوء إستراتيجية أردوغان، لتوسيع دوائر الإسلام السياسي تحت القيادة التركية في ألمانيا، واستخدامها فيما بعد حسب أهدافه، وطموحاته لاختراق المجتمعات الغربية.

«شروتر» التي تعمل بشكل مكثف على تفكيك منظومة الإخوان في ألمانيا، وأبحاثها كانت أحد الأدلة القوية، وأطراف الخيط التي حركت المجتمع البحثي الألماني للانتباه إلى خطورة تنظيمات الإسلاميين، كشفت عن أسماء 178 مدرسًا للدين الإسلامي في المجتمع الديني، معظمهم يتعاطفون مع منهج الإخوان، وبعضهم منخرطون تنظيميا في الإخوان بالفعل.

وأضافت: هذه التفاعلات السياسية والفكرية، التي تثيرها قضية الإخوان، تكشف أن الإسلام السياسي معادٍ للغرب، ويلعب على أجندة معادية له في المقام الأول؛ فبدلا من التعددية والديمقراطية يصبح شعار «الإسلام هو الحل» على مقاسات وأوزان أيديولوجيا الإخوان والسلفيين، الذي يقسم العالم إلى مؤمنين وغير مؤمنين، ومسلمين وغير مسلمين، ويتخيل هؤلاء إمكانية إقامة مجتمع إسلامي مثالي في جميع أنحاء العالم متمثلا في إعادة إحياء «الأمة الإسلامية»، وهذا المنهج لا يمكن إقامته إلا بقتل الديمقراطية والقضاء عليها، إذا ما تمكن الإخوان، بحسب شروتر، خاصة أنهم جميعها وعلى رأسهم أردوغان، يرفضون أن يكون للمسلمين في كل مجتمع أوروبي، مقاربات في الهوية مع نظرائهم في كل بلد غربي، الذين يسعون إلى كسب جنسيته.

وتابعت: الإسلام والمسلمين في نظر رجب طيب أردوغان، وقيادات الإخوان، له شكل وكاتلوج واحد فقط، ومن يقول خلاف ذلك يسيء إلى الإسلام، وهي قاعدة تضع جميع المسلمين في أزمة كبرى مع البلدان الغربية، سواء كان تواجدهم على سبيل الإقامة أم الاستقرار والعيش الدائم، ما يعني أن ملايين الدولارات التي تخطط الإخوان لصرفها لتشكيل قيم جديدة تجاها، لن تفلح، وستذهب أدراج الرياح !

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية