دكتور "مشالي" يكشف بـ"10" جنيهات!
يوم تخرجه في كلية الطب توفي والده وترك له خمسة أشقاء صغار، فاضطر إلى العمل وعدم استكمال دراساته العلياـ رغم تفوقه وحصوله على تقدير عالٍ وترتيب متقدم بين زملائه بجامعة الإسكندرية، وبمجرد انتهاء فترة تكليفه قام بافتتاح عيادة خاصة في إحدى قرى محافظة الغربية، كانت قيمة الكشف خمسة قروش رحمة بالمرضى الفقراء..
ولكن الله بارك له في هذه القروش الصغيرة، ومنها قام بتربية أشقائه حتى تعلموا جميعا وتخرجوا في كليات مرموقة، ثم اختبره ربه مرة أخرى حينما مات أحد أشقائه وترك ثلاثة أبناء يتامى، فقرر أن يتولي تربيتهم وتعليمهم حتى حصلوا أيضا على مؤهلات عليا، ولم يتخل عن مبادئه في الرحمة بالمرضى الفقراء وعدم زيادة قيمة كشفه.
إنه الطبيب الإنسان الدكتور "محمد مشالي" أحد ملائكة الرحمة التي تعيش بيننا، ورغم تجاوزه الـ 75 عاما إلا أنه ما زال يعمل 15 ساعة يوميا، وطوال أيام الأسبوع، ومازال محتفظا بعيادته الريفية، ويذهب إليها يوميا بالقطار من محطة طنطا حيث لا يمتلك سيارة خاصة.
الدكتور "مشالي" عمل طوال حياته في مستشفيات وزارة الصحة بمحافظة الغربية، حتى أصبح مديرا لمستشفى حميات طنطا قبل إحالته إلى المعاش عام 2004، خلال خمسين عاما في مجال الطب رفع كشفه من خمسة قروش إلى خمس جنيهات، ثم اضطر أخيرا إلى زيادتها إلى عشر جنيهات بسبب موجة الغلاء الأخيرة، وارتفاع الأسعار، حتى يستطيع سداد فواتير الكهرباء والغاز والمياه وأجور العمالة ، وحينما تسأله عن سبب تخفيض قيمة الكشف إلى هذا المستوى يقول إن هناك مرضى لا يمتلكون حتى هذا المبلغ المتدني جدا، ونظرا لسمعته الطيبة والثقة التي يتمتع بها يعطيه أهل الخير أموالا لتوزيعها على المرضى الفقراء حتى يستطيعوا شراء الأدوية..
الدكتور "مشالي" هوايته الوحيدة هي القراءة وسعادته فقط في العمل وتخفيف آلام الغلابة، والترفيه في حياته يكون مع المرضى في عيادته، لا يمتلك شاليها في الساحل الشمالي، ولا يعرف أصلا أين يقع الساحل ولا الغردقة وشرم، الدكتور "مشالي" رزقه ربه بزوجة صالحة لم يكن لديها اي أطماع في زخرف الحياة، مما كان سببا في نجاحه، وساعد في أداء رسالته النبيلة بمنتهى الجدية والإخلاص، زوجته تفرغت لتربية أولاده حتى أصبحوا أيضا صالحين يخدمون بلدهم في مجالات مختلفة.
الحكايات كثيرة عن الدكتور "مشالي" وأنت تسمعها لا تصدق أنه بشر بل من فصيلة الملائكة، وإذا كان لدينا طبيب يتقاضى ألف وألفين جنيه في الكشف، وحجزه بالشهور فلدينا أيضا طبيب يقدم نفس الخدمة بعشر جنيهات، وبابه مفتوح مجانا أمام الجميع وعيادته مزدحمة..
هذه نماذج محترمة مازالت موجودة في بلدنا، وكثيرة، ولكن ما يطفع على السطح هم أسوأ أنواع البشر، وللأسف هؤلاء يلهث الإعلام خلفهم ويعتبرهم رموز المجتمع وقدوته.
التحية والتقدير للطبيب الإنسان الدكتور "محمد مشالي" رغم أنني لم أتشرف بلقائه إطلاقا، ولكن كان يجب الكتابة عنه فهذه مسئولية الإعلام الوطني المحترم، لإبراز النقاط المضيئة في المجتمع حتى تكون نموذجا إيجابيا يحتذى لشبابنا تمنحه الأمل والتفاؤل في مستقبل أفضل، ويستطيع مكافحة الإحباط الذي يحاصره من كل اتجاه. لذا يجب على الدولة وعلى نقابة الأطباء تكريمه وأمثاله ليكونوا قدوة لشباب الاطباء.
الدكتور "مشالي" يكفيه دعوات المرضى المعدمين، التي تنير له الطريق في الدنيا والآخرة.
egypt1967@Yahoo.com
egypt1967@Yahoo.com