رئيس التحرير
عصام كامل

محمود علوان يكتب: "عجلة" أبو النصر و"بدّال" التطوير

محمود علوان
محمود علوان

كان عام 2013 فارقًا في التعليم المصري، مثلما كان فارقًا في تاريخنا المعاصر بشكل عام، فالعام الذي شهد إنهاء حكم جماعة الإخوان – المصنفة إرهابية- في أعقاب ثورة 30 يونيو، كان بمثابة بداية جديدة للعملية التعليمية بعد حالة من التخبط عاشتها وزارة التربية والتعليم في الفترة منذ يناير 2011 وحتى يونيو 2013.


شهد الشارع التعليمي خلال الفترة التي سبقت ثورة 30 يونيو العديد من الحوادث المهمة، فقد شهد شهر يناير 2011 تجمهر موظفين بالتربية والتعليم ضد الدكتور أحمد زكي بدر آخر وزير تعليم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ورحل " زكي بدر" وتولى الوزارة عقب ثورة 25 يناير الدكتور أحمد جمال الدين موسى والذي جاء في التعديل الوزاري الذي جرى في نهايات فبراير 2011 في حكومة الفريق أحمد شفيق، واستمر جمال الدين موسى وزيرًا للتربية والتعليم في تشكيل حكومة الدكتور عصام شرف، وظل " جمال الدين موسى" وزيرًا للتربية والتعليم إلى أن تمت إقالته في أعقاب احتجاجات المعلمين حول تدني رواتبهم، ووصلت احتجاجات المعلمين إلى ذروتها عندما حاصروا مقر مجلس الوزراء في سبتمبر 2011، وارتفع سقف مطالبهم إلى المطالبة بإقالة وزير التعليم وأن يتولى شئون الوزارة أحد المعلمين، واستجاب رئيس الوزراء لذلك وتم اختيار جمال العربي ليكون خلفًا للدكتور أحمد جمال الدين موسى، وكان " العربي" يشغل منصب رئيس الإدارة المركزية للتعليم الثانوي بديوان عام الوزارة قبل توليه المسئولية؛ ليصبح ثالث معلم يعتلي كرسي الوزارة في تاريخها.

الغريبة أن وزير التعليم الذي جاء تنفيذًا لمطالب المعلمين بأن يكون وزير التعليم واحدًا منهم، واجه أصعب موقف يمكن أن يواجهه وزيرا للتربية والتعليم، ففي يوم إعلان نتيجة الثانوية العامة 2012، تجمهر المئات من موظفي ديوان عام الوزارة أمام قصر الأميرة فائقة إثر شائعة سرت بينهم أن الوزير يقف ضد صرف مكافآت يستحقونها، وهي الشائعة التي تبين فيما بعد عدم صحتها، إلا أن الأمور تطورت بشكل مثير، حيث اقتحم الموظفون المحتجون بوابة القصر، وحاصروا قاعة الفيديو كونفرانس التي كان يعقد فيها مؤتمر إعلان النتيجة، وحاولوا اقتحامها، وحينما خرج إليهم الوزير للاستماع إلى شكواهم، تطاول عليه البعض، وحاولوا الاعتداء عليه لولا رجال الأمن وطاقم الحراسة الذي تمكن من إخراجه من البوابة الخلفية للقصر في حالة ذهول من الجميع.

ومع نهاية يوليو 2012 رحل " العربي" مع رحيل وزارة الدكتور كمال الجنزوري، وتولى شئون التربية والتعليم الدكتور إبراهيم غنيم أستاذ التربية بجامعة قناة السويس، والذي تسلم مهام عمله – خلال فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية- وبدأ عمله وزيرًا في 2 أغسطس 2012 ورحل عن الوزارة عقب انتهاء حكم جماعة الإخوان الإرهابية في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013.

استعان " غنيم" بعدد من قيادات جماعة الإخوان، والذين تولوا مناصب قيادية بارزة وكانت لهؤلاء الكلمة العليا في إدارة شئون الوزارة، وقد ارتكب الإخوان في التربية والتعليم العديد الخطايا الكبرى؛ ولعل أبرز تلك الخطايا محاولات وضع مناهج دراسية جديدة تتماشى وفكر الجماعة، ومن ذلك المعركة التي شهدتها الوزارة في كتاب التربية الوطنية للصف الأول الثانوي، وكذلك محاولات وضع منهج جديد في الدراسات الاجتماعية والتاريخ واللغة العربية تهدف إلى تصدير الجماعة بشكل يخدم توجهاتها، وقد كان للصحافة التعليمية دور بارز في كشف تلك المخططات، وكانت " فيتو" في الصدارة حينما قادت معركة صحفية كبيرة تجسدت في سلسلة تحقيقات حول محاولات الجماعة لغسيل مخ التلاميذ، واستعرضت تاريخ الجماعة منذ حسن البنا وكيف استغل أموال الجماعة في السابق لبناء المدارس الإخوانية.. ودور عمر التلمسانى الذي أحيا خطط "البنا" بمدارس المنارات الإسلامية.. وكيف وصلت الأمور إلى انتشار مدارس الجماعة، والكوارث التي ارتكبتها تلك المدارس حتى تم السيطرة عليها بعد ثورة 30 يونيو وأصبحت تدار من خلال مجلس إدارة 30 يونيو.

وأيضًا، كانت " فيتو" حاضرة بقوة للكشف عن مخطط أخونة التربية والتعليم ورصدت خلال العام 2012 تسكين نحو 400 إخواني في مناصب قيادية بالمديريات والديوان العام دون أن يكون للغالبية من هؤلاء الحق في تلك المناصب، وكذلك كشف النقاب عن كتاب المراجعة للغة الإنجليزية الذي تم تأليفه وبيعه لطلاب الصف الثالث الثانوي في بداية عام 2013 وكان يحرض على رجال الجيش والشرطة، وهو ما أحدث دويًا كبيرًا ونفت الوزارة بقيادة " غنيم" علمها بهذا الكتاب.

وظلت وزارة التربية والتعليم في حالات التخبط، إلى أن قامت ثورة 30 يونيو 2013، ورحلت جماعة الإخوان عن الحكم، وتم تشكيل حكومة الدكتور حازم الببلاوي في عهد الرئيس عدلي منصور، وتولى أمور وزارة التربية والتعليم الدكتور محمود أبو النصر أستاذ الهندسة بجامعة عين شمس، والذي كان قد رحل عن منصب رئيس قطاع التعليم الفني في عهد وزير الإخوان إبراهيم غنيم، ولم تمض شهور على رحيل " أبو النصر" حتى عاد وزيرًا للتربية والتعليم.

حينما تولى "أبو النصر" المسئولية واجه تحديات كبيرة كان على رأسها قرار بدء العام الدراسي 2013 /2014 في موعده في ظل الأحوال المضطربة التي كانت تمر بها البلاد آنذاك؛ ولكنها أصر على قرار بدء الدراسة وأعلن تحمله المسئولية، ونجحت الوزارة في إدارة العام الدراسي رغم تلك الظروف.

أما أبرز الإنجازات التي تحسب لـ" أبو النصر" أنه سعى إلى وضع عجلة التعليم المصري على الطريق السليم من خلال بناء إستراتيجية كاملة للنهوض بالعملية التعليمية، وبالفعل تم وضع الخطة الإستراتيجية للتعليم في عام 2014، وقد اعتمدت تلك الإستراتيجية على نخبة من الخبراء المصريين وشارك فيها مجموعات من المعلمين وقيادات ديوان عام الوزارة، وتم وضعها بشكل مكتوب، وأخذ الوزير الأسبق على عاتقه شرح أهداف الإستراتيجية وعرضها على القوى المدنية والرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك من خلال عقد المؤتمرات والندوات، وتم وضع الإستراتيجية على الموقع الرسمي للوزارة بحيث كان بإمكان أي مواطن الإطلاع على تلك الخطة وإبداء ملاحظاته عليها.

وكانت أهم ركائز إستراتيجية " أبوالنصر" هو بناء منظومة جديدة للمناهج، وتطوير الثانوية العامة، والتوسع في الأبنية التعليمية، والارتقاء بالمعلمين مهنيًا وماديًا، وغير ذلك من الركائز التي بُنيت عليها الإستراتيجية، أما أبرز ما تضمنته خطة " أبوالنصر" للارتقاء بالمنظومة التعليمية، فكان يتعلق بمشروع المدرسة الداعمة، والذي أطلقه " أبوالنصر" من خلال إنشاء مدرستي البكالوريا الدولية في الشيخ زايد ومدينة المعراج بالمعادي، وكان الهدف هو أن تتحول تلك المدارس إلى مدارس داعمة، بحيث يتم إنشاء مدرسة في كل محافظة ثم مدرسة في كل إدارة تعليمية، وتصبح كل مدرسة بمثابة مركز يقدم الدعم الفني للمدارس الحكومية الواقعة في نطاق الإدارة التابعة لها؛ ولكن رحل " أبوالنصر" ولم يتمكن من تنفيذ استراتيجيته، فعادت حبيسة الأدارج إلا أن تولى المسئولية الدكتور الهلالي الشربيني وزير التعليم السابق، والذي عكف على وضع برامج تنفيذية لتلك الإستراتيجية، فوضع بالفعل 10 برامج تنفيذية يشمل كل برنامج تحديد المدى الزمني للتنفيذ، والأشخاص الذين سيتولون التنفيذ، والتمويل اللازم من أين سيأتي وكيف سيتم إنفاقه دون اللجوء إلى الاستدانة من الخارج، وكان " الهلالي"كسلفه " أبوالنصر" فالرجلان كانا ضد الاستدانة وكانا قادران على توفير ما تحتاجه العملية التعليمية بعيدًا عن الديون التي تثقل كأهل الدولة أكثر من فائدتها.

وكالمعتاد رحل " الهلالي" قبل أن ينفذ ما وضعه في البرامج التنفيذية المشار إليها، ليتولى أمور التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي الذي جاء بفكرة مغايرة؛ ولكنها غير متماسكة، فالرجل الذي ملأ الدنيا صراخًا حول ضرورة تغيير المنظومة التعليمية المتكاملة، وأنه لابد من بناء منظومة تعليمية جديدة، لم يعلن حتى الآن ملفًا كاملًا لإستراتيجية المنظومة الجديدة، يمكن الاحتكام إليه، وتطبيق مبادئ الحكومة لما يتم الإعلان عنه وما يتم تنفيذه بالفعل.

وخلال العام الدراسي الحالي، ظهرت ملامح مشروع " شوقي" لبناء منظومة جديدة، وخاصة في الصفوف الأولى، واتضح أن ما يتم تنفيذه قريب الشبه لما نفذه " أبوالنصر" قبل 5 أعوام في مدارس البكالوريا الدولية مع بعض التغييرات؛ ولكن ما قدمه " أبوالنصر" كان شبيهًا ببناء عجلة متكاملة، أما ما نحن بصدده فيشبه محاولة تغيير ملامح تلك العجلة بتغيير " البدّال" وهو الأداة التي تستخدم في تحريك " العجلة" على الأرض، إلا أن " البدّال" المستخدم هذه المرة لا يتناسب مع العجلة الموضوعة وبالتالي أصبح الأمر مشوهًا ونتائجه غير مرضية، ولا تناسب ما أنفق لأجله.
الجريدة الرسمية