يابنتى: إرثك أكبر من مطبخك !!
بدا أكل إرث الفتاة أو المرأة ظاهرة شائعة في المجتمع المصري قبل سنوات وعقود؛ خاصة داخل الريف؛ لما يرتبط في أغلبه بثقافة الحصاد الموسمي للأرض وعائدها، حتى وصفه البعض بأنه جين متمكن من أهل القرى لا ينكره فلاحوها ومثقفوها على السواء.
ويرمى هذا النمط من الثقافة إلى شرعنة جرائم الاستيلاء على الحقوق وتأصيل واقع الإفقار لشريحة واسعة من النساء؛ بغض النظر عن مستواهن التعليمي، ويذهب فيه غير المتعقلين إلى مخالفة صريحة للدين والدستور وأحكام القانون؛ وسط رعاية وتواطؤ كاملين من قبل عائلات المحرومات؛ ربما أصاب فرع منها هدفه بحق بناته مستقبلا فآثر الصمت وقتما طلبت منه كلمة حق.
آيات جرائم الاستيلاء على إرث النساء في الريف المصري متعددة؛ أبرزها اعتبار "شوارها"؛ أي جهاز عرسها؛ أو "مطبخها" كما يحلو للأسر تسميته؛ نصيبها من الميراث في حضور أبيها حيا أو عند القسمة بعد مماته، دون اعتبار دعم نفس الأب لشقيقها ماديا في زواجه خصما من نصيبه بإرثه مستقبلا، فلا تفريق عند هذه العينة من العائلات بين العطية والهدية والإرث.
كذلك اعتبار تسليم المرأة نصيبها من الميراث عار على عائلتها التي تعتبر نفسها متنازلة بإرادتها عن "عرضها" لزوج ابنتهم وأهله، وفى هذه الآية لن تجد اختلافا واسعا بين جاهل وعالم يكرران نفس العبارة التي سمعتها بأذني من أحد المثقفين المؤثرين في توجيه الرأي العام؛ "إزاى أسيب أرض أبويا لأولاد فلان الفلان..؟".
مفهوم السطو على الإرث يترجمه كثيرون في صورة تجميد نصيب المرأة طرفهم حتى يكبر أطفالها من زوجها وتضطر مع ضغوطات الحياة إلى بيعه لأخوتها المتحفظين عليه بمقابل زهيد للغاية وبالتقسيط؛ ولا تقدم مع جريمتهم لزوجها مبررا لاستسلامها سوى أنها لا ترغب في قطع صلة الرحم أو أنها فضلت دعم أشقائها في محنتهم المزعومة على حساب حقوق أولادها.
ناهيك عن صور شتى لانتهاك حق المرأة في الإرث تصل حد تزوير في أوراق رسمية وتلاعب مشبوه في الأنصبة على الأرض وإدخال بعضها في أنصبة أكبر تلتهمها بسيف الحياء قبل البغي، حتى وصف البعض نصيب النساء من الإرث بالحق المستباح؛ وسعت برلمانات دول عربية إسلامية لتطبيق تصورات نحو تجاوز محنتها الثقافية والمجتمعية بقوانين وضعية توقف مهزلة التلاعب بشريعة الخالق في أمرها.
في الحضر؛ تفاوتت أساليب أكل إرث المرأة باختلاف طبيعة الثروة، وكانت أبرزها سبل الاستيلاء على حقها من المنبع، أي في حياة والديها وتحت إشرافهما أحيانا، وهذه الأساليب القذرة وقفت في كثير من الأحيان سببا في تخريب وضعية اجتماعية لمتزوجات ولجوء بعضهن لحصد معاشات آبائهن في مواجهة الإفقار؛ عبر الاكتفاء بعقود نكاح عرفية سرية أو محدودة الإشهار.
في ديسمبر ٢٠١٧ وافق البرلمان على تعديل بعض أحكام القانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٤٣ بشأن المواريث وصدق الرئيس عليه ونشر في الجريدة الرسمية للدولة، لكنه لم يحظ بحملة ترويجية توعوية تتيح للمغتصبة حقوقهن معرفة مكتملة به، كما أتاحت لهن حملات مكافحة التحرش والختان دراية أكبر بعقوبات منتهكى إنسانيتهن.
وحدد القانون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من امتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين.
ولا أعتقد أن عقوبة كهذه تتناسب ومستوى الجريمة التي يمكن أن تحرم نساء من مبالغ وأصول أكبر قيمة من تلك الغرامات ومدة الحبس، كما لم يماثل المشرع الجزاء فيها بما يضاهى عقوبة التزوير المادي والمعنوى والتي تعامل كجناية وليست جنحة؛ تستوجب السجن وليس الحبس، إذ أن عوائد استثمار الإرث ذاته طرف المغتصب خلال فترة الاستيلاء عليه تكون أكبر أحيانا من القيمة الدفترية والاسمية للأصل.
جريمة الاستيلاء على إرث النساء لا تزال مستمرة داخل مطابخ ثقافة الاغتصاب والإكراه المحتفظة بها عائلات ومجتمعات بعيدة بمعتقداتها وسلوكها عن الصواب؛ متحايلة بأعرافها على الحقوق الثابتة شرعا وقانونا، ربما اعتبرتها تلك الفئة من المغتصبين "مكتسبات ذكورية" تعيد معها في ذات المسار النسوي المعاصر تقسيم الطبقات الاجتماعية إلى رجال ونساء؛ ولكل منهما فيلق نستعيد سيرته لاحقا.