محمد فودة يكتب: نور الله ونار موسى
استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى: إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيم"ُسورة النمل ٧_٩.
وتوقفت أكثر عند قول الحق تبارك وتعالى «بورك من في النار» ذلك أن النار التي نعرفها نحن البشر تكون للآلام والعذاب والحرق وليس للمباركة.. قال تعالى واصفا ما قاله قوم إبراهيم: "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ" الآية 68 سورة الأنبياء.
إذا.. بُورك من في النار (سبحانه على كل شيء قدير) لكن هل كانت في حقيقتها نار أم نور.. ومن كان كان حولها؟!
تناول المفسرون هذه المسألة بالكثير والكثير من الاجتهادات فبعد أن انقضى الأجل بين سيدنا موسى والشيخ الذي اتفق معه على أن يزوجه إحدى ابنتيه إن سقى له الأغنام لثمانٍ سنوات، وأخبره أنّه إن أكملها لعشر فهي من كرّم موسى عليه السلام.
وفي أثناء العودة تاه وضل سيدنا موسى في طريقه قبل أن يرى نارا مشتعلة في جبل، فطلب من أهله أن يمكثوا ليقتبس لهم من تلك النار، فيتدفؤوا بها، ولعله يجد من يدله على الطريق، ولما وصل إليها، وجدها تشتعل في شجرة تقع طرف الوادي، وكانت لتلك النار خاصية عجيبة، إذ كلما زاد اشتعالها زاد اخضرارها.. وحينما اقترب كانت المعجزة الكبرى.
يبين الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق وإمام المفسرين، ما حدث لموسى عندما اقترب من النار فقال: فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها.. وأَنْ هنا مفسرة، لما في النداء من معنى القول.
وقوله: «بُورِكَ» من البركة، بمعنى ثبوت الخير وكثرته.
والخير هنا يتمثل في تكليم الله- تعالى- لنبيه موسى، وفي ندائه له، وتشريفه برسالته، وتأييده بالمعجزات.
والمراد بمن في النار: من هو قريب منها، وهو موسى- عليه السلام-.
والمراد بمن حولها: الملائكة الحاضرون لهذا النداء، أو الأماكن المجاورة لها.
أي: فلما وصل موسى- عليه السلام- إلى القرب من مكان النار، نودي موسى من قبل الله- عز وجل- على سبيل التكريم والتحية: أن قدس وطهر واختير للرسالة من هو بالقرب منها وهو موسى- عليه السلام- ومن حولها من الملائكة، أو الأماكن القريبة منها.
الدكتور حسام النعيمي يعرض في وقفات بلاغية، قصة سيدنا موسى بأسرها في سورتي القصص والنمل.
فقال : هنا (فلما جاءها نودي) هنا بالبناء للمجهول.
حدث نداء (نودي أن بورك من في النار ومن حولها) استعمل القرآن اللفظة التي تخيلها موسى فلما دخل صار في وسط نور وهو ما يزال يراه نارًا لأنه لا يعرف هذا النور وما عنده شيء في الأرض يضيء إلا النار فهو في داخل الضوء، في داخل النور الذي صنعته الملائكة فقوله تعالى (أن بورك من في النار ومن حولها) يشير إلى البركة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على موسى وعلى الملائكة المحيطين به. (وسبحان الله رب العالمين) تعليم له أن يقدِّس الله سبحانه وتعالى وهو في هذا الموقف.
وذكر المفسرون أقوالًا مختلفة في قوله (من في النار ومن حولها) مجملها كالتالي:
(من في النار) الملائكة
(ومن حولها) : موسى
والنار ليست نارًا عادية
وقسم قال موسى (من فيها)
والملائكة (حولها)
وقسم قال هو نور رب العالمين تراءى له كأنه نار.
(من في النار) بمعنى الذي
وقسم قال النار هو نوره سبحانه.