صفر الكان
الآن وقد انفض المولد، وانتهت أفراح العيد أقصد "الكان" الذي احتفلوا به رقصًا وغناءً وبذلًا لهدايا مهينة تبادلوها فيما بينهم، ربما جاء الوقت لكى نبدأ في فتل "كحك ما بعد العيد"، فله في مثل هذه الأحوال مذاق خاص لم يكن يناسب ما مضى من أيام المشاركة، ولا هو كان يناسبه صخب وربما يكون الآن هو وقت الحساب.
فلم تبدو علامات الغضب والحزن على الامة المصرية من ارتفاع الأسعار وزيادات البنزين والكهرباء كما ظهرت ليلة أمس، وبدا المشهد وكأن هناك حزن قومي على الخروج المهين للمنتخب في دور ال١٦لكأس الأمم الأفريقية، بعد أن قام الإعلام الرياضي المراهق برفع سقف التوقعات والطموحات للناس بأن الكأس في الجبلاية..
لأنه من حقنا، حتى ولو كنا من اضعف فرق البطولة من حيث المهارات والخطط واللياقة، وحتى الجمهور العائلي لم يسلم من الاتهامات، فقبل الخروج المهين للمنتخب بيومين خرج "هاني أبو ريدة" يقول إنه ورفاقة قدموا كل شئ، والمشكلة في الجمهور، وكانت تلك أول مرة يهين مسئول الجماهير، وتلك الجماهير هي التي تحجرت الدموع في عيونها ليلة الأحد، والغيظ يتملكهم من منظومة الأخطاء الرياضية التي تتم على مرأي من الجميع..
ولا يجرؤ أحد على الحساب ومن تجرأ وانتقد وتنبأ بهذا الخروج المذل، تم إستبعاده، وفرض الصمت عليه، ولهذا كانت ردود الفعل للجماهير على وسائل التواصل الاجتماعي شديدة الغضب، وكان يمكن أن تمر الأمور بشكل طبيعي لو خرج المنتخب بعد أداء مقبول، ومن يفهم في البطولات كان يعرف أن الخروج تم يوم خرج المنتخب من المونديال بعشوائية بحصوله على صفر المونديال للمرة الثانية في التاريخ وبدون أن يحصل على نقطة واحدة..
ويومها علق الجميع الجرس في رقبة المدرب "كوبر" بينما كان الرجل هو آخر ورقة في ملف الفساد الكروي، الذي تحصن وحصل على شرعية البقاء، بتحميل الآخرين مسئولية فشلهم أيامها، كان معسكر المنتخب في روسيا مزارا للفاتنات والنجوم والنجمات وغرف اللاعبين ستوديوهات للقنوات..
وعندما شبت معركة بين الأوتوبيس والطيارة وعدم احترام العقود التسويقية لمحمد صلاح... قامت بعض المواقع والصحف التي تدين بالولاء لاتحاد الكرة ورئيسه.. بالذم في الوكيل "رامي عباس".. واتهامه بأنه يسيء استخدام سلطته وانه هو سبب المشكلات والكلام المعتاد لمجرد أن الرجل يمارس عمله بمهنية واحتراف وليس بعشوائية..
ولم تمض أيام حتى نسي الجميع ماجري وانشغلوا بهدايا صاحب "بيراميدز" وفتنته في ملاعب الكرة المصرية بدون أن يوقفه أحد ولم يسأله أحد حتى الآن، لماذا جاء، ولماذا رحل، ثم كانت صفقة المدرب المكسيكي، والتي صاحبتها الأقاويل والتهديدات فجاء المدرب مهزوما، قبل أن يبدأ ثم كانت الاختيارات العبيطة لأفراد المنتخب، واستبعاد من له الحق وضم نفس الوجوه المكسورة في المونديال لدرجة إنه خلال أربع مباريات لم اظهر جملة تكتيكية تقول أن هناك مدير فني يحصل شهريا على ١٠٩ آلاف يورو.
ولولا ستر الله والعارضة ومهارة الشناوي ما فزنا في مباراة واحدة ثم دولة سكانها مائة مليون مواطن لا تعرف أن تعد رأس حرب واحد للمنتخب، لأن البهوات في الأندية يستسهلون ويتعاقبون مع لاعبين أجانب بمئات الملايين، وحتى الأندية الكبيرة لم تعد تهتم بقطاعات الناشئين..
فلم يعد بمصر رأس حربة واحد، وكان حادث التحرش ل"عمرو وردة" ورفاقة نموذجا للتخبيط والفشل في إدارة الأزمة وضعف شخصية المدير الفنى للمنتخب، مما أدي لوصف البعض له بمنتخب المتحرشين، وتكررت للمرة الثانية مهزلة الإعلانات السخيفة مثل إعلان للأسف أحمد ناجي مع الشناوي، الذي زاد عن مرمانا اليوم بكل جدية، وإعلان طارق حامد إحنا أصحاب البطولة، وكأننا عرفنا الغيب قبل وقوعه، وأن الكأس لنا.
وسيل من الاعلانات لكل لاعبي المنتخب، وللاسف سكت المختصين وأسكرتهم نشوة الفوز غير المستحق في مباريات الدور الأول، وأخذتها العزة بالاثم ولكن التمنيات والأماني لا تأخذ إلا بالجهد والعرق والبذل والتكاتف، وهذا كله لم يتوافر للأسف في المنتخب المصري، إن الإعلانات التي ظهرت على الشاشات المصرية والعربية، إذا دلت على شيء فإنما تدل على ضحالة التفكير والقصور الشديد في كل عناصر اللعبة والمنظومة..
ولكن ابن عطاء الله السكندري له جملة جميلة في كتابه الرائع (التنوير في إذهاب التدبير): لربما أتت الفوائد من وجوه الشدائد / ولربما أتت الأضرار من وجوه المسار/ ولربما كانت المنن في المحن.