تحليل: غياب عربي عن فرص الاستثمار العقاري في ألمانيا
منذ سنوات لا يعرف سوق العقارات في برلين ومدن ألمانيا الكبيرة سوى الصعود نحو الأعلى. معطيات السوق تفيد بأن الطلب إلى تزايد وسعر العقار إلى ارتفاع، وإذا كان هذا نقمة على محدودي الدخل، فإنه نعمة للمستثمرين العرب إذا حضروا.
للعام العاشر على التوالي تستمر طفرة ارتفاع أسعار العقارات في ألمانيا بمعدلات سنوية تتراوح بين 4 إلى نحو 10 بالمائة أو أكثر في المدن سنويا. ويتركز الارتفاع في المدن الرئيسة السبع وهي: برلين وميونيخ وهامبورج وفرانكفورت وكولونيا وشتوتجارت ودوسلدورف. ومن الواضح أن العاصمة برلين هي الأكثر تأثرا بالارتفاع الذي وصل غالبا إلى أكثر من الضعف منذ عام 2009.
فحتى ذلك العام كان معدل سعر الشقة الجديدة المؤلفة من ثلاث غرف يتراوح بين 130 إلى 180 ألف يورو، حسب المنطقة ومستوى التجهيز. أما اليوم فقد أضحى المعدل بحدود 300 إلى 330 ألف يورو وما فوق. ويستثنى من ذلك وسط المدينة حيث الأسعار أعلى بكثير من ذلك في الحي الحكومي ومحيطه.
وعلى صعيد المساكن العائلية المستقلة مع حديقة صغيرة أصبحت تكلفة مسكن بمساحة 130 إلى 140 متر مربع بحدود 400 إلى 500 ألف يورو، أي أن الأسعار التي كانت في عام 2007 بحدود 140 إلى 180 ألف يورو لمساكن كهذه وصلت إلى أكثر من الضعف في الوقت الحالي. هذا بالنسبة إلى الملكية، أما على صعيد الإيجار فإن الأسعار أيضا تضاعفت وأضحى معدل استئجار شقة مؤلفة من ثلاث غرف بحدود 1200 إلى 1500 يورو وما فوق مقابل معدل كان بحدود 600 إلى 700 يورو حتى عام 2008.
لماذا ارتفعت أسعار برلين؟
حتى أواخر العقد الأول من القرن الجاري كانت برلين مليئة بالشقق والمساكن المعروضة للبيع والإيجار بأسعار منخفضة لا يجدها المرء في أية عاصمة أوروبية غربية. وكأنت الأسعار فيها تعادل نصف أو أقل من نصف مثيلتها في عواصم غربية أخرى أمثال لندن وباريس وأمستردام وكوبنهاغن.
غير أن استمرار انتقال معظم مؤسسات الحكومة الاتحادية والبعثات الدبلوماسية والاتحادات الاقتصادية من العاصمة السابقة بون إلى جانب تدفق السياح، لاسيما الأوروبيين كشف للكثيرين فرصة نادرة للتملك والاستثمار في العاصمة الألمانية. وهكذا أقدمت مئات الشركات الألمانية والأوروبية وفي مقدمتها س أ ب/SAP على افتتاح مكاتب وفروع لها في المدينة.
كما تدفق آلاف الشباب المبدع لتأسيس آلاف الشركات الصغيرة والناشئة التي تحول بعضها إلى لاعب هام في عوالم الإنترنت والاتصالات والتسويق الإلكتروني أمثال "زالاندو" للتجارة الإلكترونية وفرايتهوب للشحن الرقمي و"ريلاير" للتشبيك عبر الإنترنت.
في هذه الأثناء أقدمت صناديق استثمارية وشركات عقارية أوروبية وعالمية أمثال "غراند سيتي بروبيرتيز" و"أي دي أو بروبيرتيز" و"دويتشه فونين" على شراء آلاف الشقق والمساكن والمكاتب بشكل مكنها من احتكار جزئي للسوق وفرض أسعار قفزت بسرعة نحو الأعلى. على الجانب الآخر من هذا التطور، لم تواكب الجهات الحكومية في برلين على الصعيدين المحلي والاتحادي زيادة الطلب من خلال بناء الشق والمساكن والعقارات الجديدة.
ألمانيا ما تزال رخيصة مقارنة بجيرانها
يزداد الطلب على العقارات بشكل متصاعد في برلين ومدن ألمانية الأخرى، ليس بسبب السياحة والهجرة المتزايدة إليها وخاصة بعد موجات اللاجئين بين أعوام 2014 و2016 وحسب، بل أيضا بسبب تدني الأسعار مقارنة مع مثيلتها في بريطانيا أو سويسرا أو فرنسا أو النمسا أو أيرلندا أو هولندا.
فأسعار الشقق هناك تزيد بنسبة 40 إلى 100 بالمائة عن مثيلتها في ألمانيا. وهو الأمر الذي يدفع شركات العقارات العالمية إلى الاستثمار بقوة في سوق العقارات الألماني. كما يدفع الكثيرين من مواطني دول الاتحاد الأوروبي إلى تملك الشقق والمساكن وتأجيرها أو استغلالها للاستخدام الشخصي خلال فترات العطل والإجازات.
أما العرب المقيمين في ألمانيا فقد استطاع فقط قسم منهم استغلال الفرصة في الوقت المناسب واشترى شقة أو مسكنا لأغراض متعددة. لكن وعلى عكس المقيمين، فإن رجال الأعمال والمستثمرين العرب لم يدخلوا سوق العقارات الألماني بشكل ملحوظ.
ويستثنى من ذلك فترة بداية الألفية الحالية عندما توجه رجال أعمال من الخليج وخاصة من الإمارات لشراء عدد من العقارات في برلين بينها فندق هيلتون وأبنية خاصة بالمكاتب. غير أنه تم التخلص من هذه العقارات وخاصة بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية التي أصابت إمارة دبي لاحقا.
فرصة للمقيمين والمستثمرين العرب
على ضوء الارتفاع الكبير في الأسعار خلال السنوات العشر الماضية، يتساءل الكثيرون عما إذا كان قطار الاستثمار العقاري في برلين خاصة، وفي ألمانيا عامة، قد فات من لم يقدم على ذلك قبل عشر سنوات. أما الإجابة على ذلك فتميل إلى ترجيح كفة القول بأن القطار لم يفت لعدة أسباب.
ويأتي في مقدمتها أن موجات أسعار العقارات في برلين وألمانيا ما تزال في غالب الأحيان أدنى بنسب تتراوح بين 30 إلى 50 بالمائة من مثيلتها الأوروبية. ومع موجات الهجرة واللجوء المتواصلة وفتح الباب أمام هجرة الكفاءات الأجنبية الشابة بسبب حاجة الاقتصاد الألماني لها سيزداد الطلب وسترتفع الأسعار.
وسيزيد من اشتعالها ضعف قدرة الحكومة الألمانية وحكومات الولايات على اتخاذ أجراءات فعالة للحد من عدم قدرة العرض على مواكبة زيادة الطلب. وإذا كان ذلك يشكل مشكلة لذوي الدخل المحدود والمتوسط في إيجاد العقار المناسب، فإنه يعد فرصة للمقيمين من أصحاب الأموال وللمستثمرين العرب خارج ألمانيا لم يتم استغلالها.
وفي حال أقدم هؤلاء في المدى المنظور على الاستثمار العقاري في ألمانيا، فإن عوائد استثماراتهم تبدو أفضل من مثيلتها في لندن وباريس، حيث تم استثمار المليارات من رءوس الأموال العربية في العقارات هناك. وتتراوح معدلات مردود الاستثمار العقاري بين 6 و12 بالمائة سنويا في مدن مثل برلين.
ويعود السبب في ذلك إلى قدرتها على استقطاب المزيد من الشركات والأشخاص سنويا كونها مدينة كبيرة المساحة بعدد سكان أقل من 4 ملايين مقابل أضعاف هذا العدد في كل من لندن وباريس. وتفيد المؤشرات والتوقعات بأن عدد سكان برلين إلى ارتفاع سريع، لاسيما وان هناك إقبال متزايد للهجرة إليها من قبل الكفاءات الشابة في مختلف أنحاء العالم.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل