إياكم والتحامل!
ذات يوم قرر الرجل السفر والترحال إلى بلدة أخرى غير التي نشأ بها طلبًا لحياة أفضل ورزق أوسع، فأحضر جمله، وبدأ في تحميل متاعه على ظهره حتى حملة بأمتعة كثيرة تحتاج إلى عدة جمال لحملها، وقبل أن يهم بالمسير..
تذكر أنه نسى ريشته الملونة التي أهداها له والده، وما زال يحتفظ بها داخل أحد كتبه، منذ أن كان طفلا صغيرا، فعاد أدراجه وبحث عنها إلى أن وجدها، ثم وضعها داخل متاعه الكبير الجاثم على ظهر الجمل.. لكن المفاجأة أن الجمل لم يتحمل هذا الحمل البسيط، وانهار ووقع على الأرض..
نظر الرجل مصدومًا إلى الجمل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وصاح مندهشًا: "كيف تستطيع ريشة صغيرة أن تفعل هذا بجمل قوى مثله؟!".
لم يدرك الرجل أن معاناة جمله كانت قد بلغت ذروتها وحدها الأقصى، وأنه لم يكن من المناسب أن يضع على ظهره أي حمل إضافي آخر، حتى وإن كان في وزن ريشة صغيرة. مع الأسف لم يتفهم أن ما قصم الظهر هو الغباء والتحامل، والنظر إلى الأمور بعين تفتقر إلى الإحساس والفطنة وحسن التقدير والتدبير، وهو ما أدى إلى فقدانه الوسيلة الوحيدة التي كانت تساعده في جميع تنقلاته.
وكثير من الناس -مع الأسف- يقع في مثل هذا المأزق لأنه يتعامل مع الأمور ببلادة شديدة وعدم وعى واهتمام، فيجد نفسه قد خسر كل شىء في لحظة خاطفة.
فهذا رجل قد وهبه الله عائلة طيبة رائعة، فلا يشكر نعمة الله ويتعامل معها بقسوة ولا مبالاة إلى أن تأتى اللحظة الحاسمة التي تنهار فيها حياته بسبب "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وهذا رجل أكرمه الله بصديق وفى، مخلص، ولكنه لم يحفظ حق الصداقة إلى أن تجىء القشة التي تعصف بالزمالة والأخوة.
هذه القشة الصغيرة يمكن أن تكون كلمة عابرة، أو سلوكًا تافهًا، لكنها قاصمة لأنها أتت فوق ظهر قد أثقلته فترة طويلة من الصبر والتحمل والمعاناة، لذلك يقولون أن "لكل شخص طاقة على التحمل"..
لا يوجد خارقون في الحياة، ربما تتفاوت قدرتنا على التحمل، لكن من المؤكد أن هناك لحظة ما يمكن أن ينتهى فيها كل شىء، ويمكن لكل إنسان - قارئى الكريم –أن يتجنب الوصول إلى هذه اللحظة إذا لم يستخف بالصغائر التي تتراكم فوق ظهر العلاقات حتى تثقلها، فلننتبه قبل أن نقول، ونفكر قبل أن نفعل، ونعتذر عما بدر منا ويستوجب الاعتذار، ونصلح سريعًا ما تم إفساده، حتى لا نصل إلى مرحلة "القشة التي قصمت ظهر البعير". إياكم والتحامل على البشر، لأنه قد يؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.