رئيس التحرير
عصام كامل

مصر ولا طلعت حرب


بعد سنتين من الثورة الشعبية في مصر، وبعد سنة على تسلم الإخوان المسلمين الرئاسة، سقط الاقتصاد المصري إلى القعر ورجال الحكم لا يملكون سلالم للصعود من هذا القعر، وإنما بأيديهم معاول وهم يحفرون.


الوضع الحالي يعكس صدق ما سمعت من اللواء عمر سليمان يوماً.. فهو قال لي: يا جهاد الجماعة دول نحن سجناهم.. لا أذكر أننا سجنا خبيراً اقتصادياً منهم.

لم يبقَ في مصر طلعت حرب الذي قال فيه الشاعر: طلعت حرب من دون حرب أغنى الشرق عن الغرب.. وإذا كان الإخوان لا يجدون خبراء اقتصاديين محليين قادرين على وضع حلول لمشاكل البلد، فواجب الحكم الجديد أن يستعين بخبراء من الخارج، وهم إذا نجحوا فالناس لا يعرفونهم، وفوائد النجاح سيجنيها الإخوان بتأييد أبناء الشعب المستفيدين من انتعاش الاقتصاد.

في غضون ذلك هناك أزمة قمح حتى قبل أن يهاجم الجراد سيناء ومناطق زراعية جنوب رفح، والاحتياطي المالي هبط ثم ارتفع إلى 18 مليون دولار، أي نصف ما كان عندما سقط النظام السابق، إلا أن الجنيه يعاني، وسعره الرسمي سبعة لكل دولار، إلا أنه في السوق وصل إلى ثمانية جنيهات للدولار، وهو الآن في حدود 7.5 جنيهات.. البورصة كانت تتداول بحوالى مليون جنيه في اليوم، وهي الآن بحدود 250 مليون جنيه يومياً، ولكن لا يوجد بيع أو شراء مهم، وقد هبط المؤشر المالي من 12 ألفاً سنة 2008 إلى خمسة آلاف الآن.. وأقرأ عن خسائر الحديد والصلب والغزل والنسيج وعن ألوف المصانع المغلقة.

ثمة حديث مستمر عن خلق مناخ لتشجيع الاستثمار الخارجي، غير أن الحديث لم يُترجم بعد إلى قرارات تشجع المستثمرين الأجانب، فهؤلاء يسمعون عن مصالحات مع رجال الأعمال المحليين، ويفكرون مرتين قبل أن يقفزوا في سوق غير مستقرة.

ما سبق معلومات متوافرة للمواطن المصري وللمستثمر، وهي دقيقة وموثقة، والنتيجة أن مؤشر ستاندارد آند بورز المالي الأمريكي والعالمي خفض تصنيف مصر المالي هذا الشهر للمرة السادسة منذ سقوط حسني مبارك، ونزل تصنيف مصر للاستدانة الطويلة الأمد من «بي ماينس» إلى «سي سي سي بلس» وللاستدانة القصيرة الأمد من «بي» إلى «سي».

وقال مؤشر ستاندارد آند بورز: إن سبب خفض تصنيف مصر عدم تقديم السلطات المصرية استراتيجية واضحة لمواجهات حاجات البلاد المالية الداخلية والتمويل الخارجي.

هذا الكلام يعيدني إلى الاقتراح الوحيد الذي ضمّته هذه السطور عن الاستعانة بخبراء ماليين أجانب، إن لم يوجد خبراء مصريون، لوضع استراتيجية مالية للبلاد يثق بها ابن البلد والمستثمر الأجنبي.

لم أدّعِ يوماً أنني خبير اقتصادي، لذلك قدمت معلومات واكتفيت باقتراح مقتضب.. وأتجاوز الاقتصاد إلى مشاكل أخرى من نوع الانهيار الأمني حتى انتهينا بخطف ستة من رجال الشرطة وحرس حدود لمقايضتهم بمسلحين هاجموا مخفراً للشرطة في تموز (يوليو) 2011، ثم الإفراج عنهم بعد وساطة.. أرجو ألا يكون النظام لبّى طلبات الخاطفين فهم إرهابيون.

النظام، أي نظام، لا يستحق اسمه إذا لم تكن له هيبة ولعل حكام مصر الجدد يأخذون برأي الأمير بشير الشهابي الثالث، حليف إبراهيم باشا، فهو بطش بمعارضيه ومنافسيه وعندما لامه الناس قال: الظلم أسلم عاقبة من رخاوة الحكم.

نريد لمصر وكل بلد عربي حكماً عادلاً لا ظالماً، ثم نطالب الرئيس محمد مرسي بموقف قاسٍ إزاء جميع الخاطفين يمنع أمثالهم في المستقبل من التفكير بعملية خطف مماثلة.. وهو إذا فعل فقد يعود ميدان التحرير قلب القاهرة النابض لا ساحة جريمة وتحرّش جنسي.

الرئيس محمد مرسي دعا المستثمرين خلال قمة الدوحة لدخول سوق مصر، وغداً رئيس الوزراء هشام قنديل سيكرر الدعوة في مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي على البحر الميت.. مثل هذه الدعوات «عزومة مراكبية» فالداعي يعرف أن المدعو لن يأتي.

والمطلوب توفير مناخ صالح للاستثمار في مصر ثم دعوة المستثمرين العرب والأجانب، فهؤلاء لن يقبلوا الدعوة قبل أن يعرفوا ما سيقدم لهم الداعي.
نقلا عن جريدة الحياة
الجريدة الرسمية