رئيس التحرير
عصام كامل

العدالة الاجتماعية والطريق الثالث!


العدالة الاجتماعية، واحد من أكثر الشعارات الراقية، التي كانت ترج ميدان التحرير، خلال ثورة 25 يناير، ومن خلفه ميادين مصر، رددها الكبير والصغير بحماس صادق، بين طوفان من البشر، تربطهم وشائج القربى، في الروح، والانتماء، والألم، والأخير يبدو أنه كان يغوص كثيرًا داخل العمق، ويدوس على مناطق النزيف المهمل منذ عقود مضت.


إحدى الحلقات المفقودة آنذاك، غياب الجدل الفكري والفلسفي لمثل هذه المعاني الغامضة التي أطلقت على الوعي المجتمعي، وربما كان يسمعها السواد الأعظم من الحشود الهادرة للمرة الأولى في حياته، ولكنه آمن بها، وكأنه محارب راديكالي في معركة حياة أو موت، ولم ينتبه الإعلام ولا الأحزاب، ولا جماعات الضغط، لإقامة حلقات نقاشية جادة، لتوضح رؤى التيارات المختلفة عن العدالة الاجتماعية، وكيف يمكن تحقيقها، وبأية طريقة إذا ما وصل أحدهم لسدة الحكم، وبدأ فعليا على تنفيذ أهداف الثورة!

في التجمعات الليبرالية العربية والمصرية على وجه التحديد، تثير كلمة الجماعية، حالة من اللغط، على رأسها الليبرالية الاجتماعية، والبعض يرى أصلا أن مصطلحين مثل اجتماعي وليبرالي، يتعارضان بالأساس، وهناك من يرى العكس، وإن كان ذلك يدل على تقصير واضح في تقريب وجهات النظر، رغم الاجتهاد الكبير في البلدان الغربية للتعامل مع القضية، وتقليل حدة الاستقطاب، ليس فقط بين التيار الليبرالي الواحد، ولكن بين الليبرال واليسار، والاتجاهات المحافظة للتوافق على القضايا المفصلية، لكل بلد حسب أولوياته، ونوعية التحديات التي يحياها.

الليبرالية تسعى دائما لزيادة الحريات الفردية من أجل الوصول إلى أهداف عدة، أكثرها إنسانية في ظني «حرية الضمير»، ولا يتضارب هذا مع السعي لضمان أكبر فائدة لأفراد المجتمع الأكثر حرمانا، والعمل على رفع مستوى معيشة ورفاهية الأقل حظًا، وقد يكون عامل السحر هنا في صياغة مفهوم جديد لـ«تكافؤ الفرص» أو طريق ثالث، يناسب ظروف البلاد، ولا يقضى على التنافسية، ويسن في الوقت نفسه سياسات تمييز إيجابي، تخلق فرصة ثانية وثالثة، لكل من تعرض للحرمان بسبب ظروفه الاجتماعية.

طريق ثالث يجعل الدولة توفر نفس العوامل، أو تضمن أكثرها عدالة على الأقل، لكل فرد في البلاد، ليس لتحويله إلى فرد متكاسل يرغب في العيش على حوافز الإعانات الاجتماعية، التي تدعو إليها بعض التيارات الاشتراكية، ومن يؤمن بالجماعة على حساب الفرد، ولكن لمساعدته في رسم مشوار حياته، كإنسان مسئول، عليه واجب، وله دور في رفعة بلاده وتقدمها.
القضية كبيرة ومتشعبة، ولكن للحديث بقية. 
الجريدة الرسمية