رئيس التحرير
عصام كامل

"رأس العش" الممر الأول


إلا هذه النقطة من سيناء كلها التي لم يحتلها العدو في 1967.. ولذلك قرر احتلالها في الأول من يوليو، أي بعد النكسة بثلاثة أسابيع، ظنًّا أن مصر انكسرت في 5 يونيو، وأن احتلال بورفؤاد التي تعتبر الضفة الأخرى لبورسعيد سيكون نزهة بسيطة!


سار العدو بقواته صوب بورفؤاد.. رتل دبابات ومثله مدرعات مجنزرة، وعدد كبير من جنود المشاة تدعمهم الطائرات!

كان قرار القيادة السياسية هو الصمود بأي ثمن، ومن "جمال عبد الناصر"، الذي تابع المعركة بنفسه طوال يومين وهو من قال: "لا يعبرون بأي ثمن"، إلى الفريق أول "محمد فوزي"، الذي عُيِّن وقتها قائدًا عامًّا للقوات المسلحة إلى قيادة المنطقة، ومنها إلى الرائد "سيد الشرقاوي"، قائد القوة الصغيرة، أو الكتيبة 43، المكونة من ثلاثين جنديًّا من أفراد الصاعقة!

هاجمت قوات العدو منطقة "رأس العش"، وفوجئت بمقاومة غير عادية أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة وتدمير ثلاث دبابات، رغم أن قواتنا بأسلحة خفيفة.. فانسحبت القوات الإسرائيلية على أمل العودة مرة أخرى.. وبالفعل نظمت صفوفها، وعاودت الهجوم بالالتفافة على القوة المصرية، إلا أنهم فوجئوا بمقاومة أعنف، وخسائر أكبر في المدرعات والجنود، فانسحب الإسرائيليون بلا عودة، وبقيت بورفؤاد حرة حتى نصر أكتوبر، وبسبب ذلك ظلت بورسعيد في مأمن من وجود القوات الإسرائيلية في الضفة الأخرى من المدينة!

بعد المعركة ونجاح القوة المصرية الصغيرة، بدأت بشائر الصمود والانتصار، وكانت المعركة كلها أول طلقة في حرب الاستنزاف العظيمة، ولذلك أصدر الرئيس "عبد الناصر" قراره بترقية استثنائية لعدد من أبطال المعركة، ومنهم الملازم أول شهيد "جابر الجزار"، إلى رتبة النقيب، والملازم "فتحي عبد الله"، إلى الملازم أول، و"عبد الوهاب الزهيري" من رتبة الملازم إلى الملازم أول.

ومنح نوط الشجاعة من الطبقة الأولى للرائد "سيد الشرقاوي"، والنقيب "سيد إمبابي"، والملازم أول" نادر عبد الله"، والملازم "خليل جمعة خليل".

المعركة واحدة من مئات العمليات التي خاضها جيشنا العظيم في حرب الاستنزاف تحول، في أغلبها، إلى الهجوم وليس الدفاع، وعبر أبطالنا، وعادوا بالأسرى والأسلحة الأمريكية المهمة لكشف أسرارها، وظُلمت حرب الاستنزاف طويلا حتى بدأت تلقى اهتمامًا يليق بها في عهد المشير "محمد حسين طنطاوي"، وأنتجت الدولة أفلام "الطريق إلى إيلات"، و"حائط البطولات"، وأخيرًا بدأ الاهتمام الأكبر بها، وكان فيلم "الممر" ضربة البداية، والهدف: شعب وجيش لا تنكسر إرادتهما أبدًا، وأن خسارة معركة لا تعني نهاية أو خسارة الحرب كلها!
آن الأوان أن يعرف الشعب تاريخه، وما قدمته أجيال خلت من بطولات وملاحم أسطورية!
الجريدة الرسمية