رئيس التحرير
عصام كامل

الخلايا النائمة بجواري


كنت قد أجريت عدة اتصالات ببعض القريبين من دوائر صنع القرار، وجميعهم أكد لي أن "أحمد شفيق" هو الفائز في الانتخابات، وأن النتيجة سوف تعلن خلال ساعات، ولزوم الاستعداد للحظة إعلان النتيجة أعددنا مجموعة من التقارير، وأرسلنا الكاميرات إلى الشوارع والميادين في القاهرة والمحافظات، ولم ننسَ تهديدات بعض قيادات الإخوان في حالة عدم فوز "مرسي"، لذلك خصصنا كاميرات لرصد تحركاتهم في مناطق تجمعاتهم. 


وبدأ المذيعون يرصدون الأجواء المحيطة باللجنة العليا للانتخابات، ويمهدون للحظة الحاسمة بالنسبة للجماهير، والمحسومة بالنسبة لي ولهم ولزملائي في الكنترول، فقد كنا على يقين أن الفائز هو "أحمد شفيق"، وفقًا للتأكيدات التي تلقيناها، لذلك كان التهليل من كل الزملاء في الكنترول لا ينقطع فرحًا بفوز "شفيق"، كان الجميع يتبادل التهاني والأحضان والابتسامة لا تفارق الوجوه، لدرجة أنني كنت أطالبهم بالهدوء، في محاولات فاشلة مني لإعادة الانضباط للكنترول.

وجاءت لحظة الحسم ليُعلن عن "مرسي" فائزًا، اعترتني الدهشة، وجرجرت قدماي لأتخذ من مقعد في مؤخرة الكنترول مستقرًا، طلبت إذاعة النتيجة أكثر من مرة حتى يستعد المذيعون نفسيًا للحديث، أما المفاجأة الأكبر ففجرها العديد من زملائي، فالذين تبادلوا التهاني والأحضان بمجرد تسريب فوز "شفيق"، صاحوا في الكنترول مرددين: "الله أكبر، ظهر الحق، فاز "مرسي" حبيب الشعب، "مرسي" رئيسي، "مرسي" إلى الاتحادية، و"شفيق" إلى الجحيم".

وفي تلك اللحظة علمت أنني أعمل مع خلايا إخوانية نائمة، ومع آخرين ليسوا بخلايا ولا بإخوان، لكنهم يقفزون من مركب إلى أخرى، ومن نظام إلى نظام، حتى الاشتباكات المنوط بي فضها داخل الكنترول بين تلك الخلايا وبعض الزملاء.. لم أجد لديَّ جهدًا لفضها، ودام صمتي ثلاث ساعات، عدتُ بعدها إلى بيتي لتنتقل عدوى الإحباط مني إلى أسرتي.

ومع مرور الأيام.. لملمت نفسي، وولد بداخلي يقين أن جماعة الإخوان لن تستمر، واجهت من قفزوا من مركب "مبارك" إلى مركب الإخوان، رغم محاولاتهم النيل مني، وفريق العمل الذي ناله من الإحباط ما نالني، كنت أستمع إلى من كنتُ أعمل معهم وهم يتحدثون عن علاقتهم الممتدة مع الإخوان، وأنه آن الأوان ليردوا لهم الجميل، وأن الجماعة ستستمر في حكم مصر خمسمائة عام، لكني لم أفقد الأمل، وعولت على الجيش، الذي لن يخذل الشعب في الانضمام إليه لإزاحة الجماعة.

ضقنا ذرعًا بالجماعة، وطال صبرنا على الجيش ليخلصنا، وما بين الضيق والصبر كانت نوافذ الأمل تفتح، ثم سرعان ما تغلق.
 في منطقة دهشور التقى عدد من الإعلاميين والفنانين والشخصيات العامة بوزير الدفاع، آنذاك، الفريق أول "عبدالفتاح السيسي"، كنت أُعوِّل على هذا اللقاء، ربما يحمل بادرة أمل في إزاحة الإخوان، ورغم مطالبات الحضور بضرورة تدخل الجيش للإطاحة بـ "مرسي".. إلا أن الإحباط عاد ليضرب بقايا الأمل، عندما أكد "السيسي" أن الشعب هو صاحب الكلمة، وأن "مرسي" فاز بصناديق الانتخابات، وكان على رافضيه أن يكونوا إيجابيين ويتواجدوا أمام صناديق الاقتراع.

زاد تذمر الشعب من الإخوان، وبدأ الحديث عن ٣٠ يونيو موعدًا لإزاحتهم، كانت خلاياهم التي لم تعد نائمة قد تمكنت من أغلب القنوات، وفي القلب منها القناة التي كنتُ أعمل بها، حيث رجلا "خيرت الشاطر" و"مرسي"، كنت أشفق على الوطني "طارق الفطاطري"، رئيس القناة، منهما.

زاد الاحتقان وزادوا هم شراسة، طالبوه بمنعي من العمل لكنه تصدى لهم، زادت مطالبات الشعب للجيش بالتدخل، وبدأت الشوارع تغلي، ثم جاءت ثورة الشعب التي أجبرت الجيش على حمايتها.

في الكنترول، حيث امتدت ساعات الهواء.. عمت الفرحة، وتلونت الشاشة بألوان ملابس المصريين، امتلأت الشوارع والميادين، كنا ننقل الأحداث من ربوع مصر على مدار أربعة أيام متواصلة، جاءنا بيان الثالث من يوليو، قطعنا الهواء لإذاعته، آملين أن يحمل رغبتنا في إزاحة الإخوان، وأذيع البيان ليهلل كل من في الكنترول، تصافح الجميع وتبادلوا التهاني والأحضان. 

أما أنا فاتخذت من نفس المقعد في مؤخرة الكنترول مستقرًا، لأتابع خلايا الإخوان النائمة بجواري، الغريب أنهم هللوا وحمدوا الله على إزاحة الجماعة من الحكم، تركتُ الكنترول والقناة والقنوات جميعها متفرغًا للفرجة على هذه الخلايا التي أزاحتنا جميعًا، وتصدرت المشهد الإعلامي في غيبة من أصحاب القرار، تفرغنا ومعنا كل من تصدى لهم، نجتر ما ارتكبوه من خطايا، ونخشى على مصر من صحوة لهم بعد منام.
besheerhassan7@gmail.com
الجريدة الرسمية