الحرام!
نشرت الصحف يوم الجمعة الماضى ثلاث حوادث يشيبُ من هولها الولدانُ. إحداها عن رجل قتل ابنته الكبرى بعدما ظلَّ يعاشرها مع شقيقتها الصغرى عامين. والثانية.. بطلُها شابٌ أنجب من شقيقته. والثالثة لفتاة دون العشرين تخلصتْ من صغيرها الذي أنجبته سفاحًا.
الغريبُ.. أن مثل هذه الحوادث أصبحت تمر مرور الكرام، وكأنها صارت أمرًا طبيعيًا لا تزعج أحدًا. الرأي العام، الذي كان يثور ويغضب لحوادث ووقائع أقل قبحًا، يتعامل مع مثل هذه النوعية من الجرائم بـ "نَفَس بارد" و"ضمير غائب" و"قلب ميت".
هذه الحوادث النكراء، ليست استثناءً، كما يحلو للكسالى أن يرددوا، بل تحولتْ إلى ما يشبه "الظاهرة". الشخصية المصرية تعرضت لمرحلة متقدمة من التصحر الأخلاقي. التعليم تخلى عن دوره التربوي. خطبُ المساجد وعظاتُ الكنائس غدتْ جوفاءَ، لا أثرَ لها ولا تأثير. الفن تحول إلى "نيران صديقة" يحرض على الانحراف والفجور، يبارك العلاقات الآثمة، يشجع على الخروج عن الصراط المستقيم، والتمرد على فطرة الله التي فطر الناس عليها.
لا أعلمُ إن كان أصحاب المرجعيات الدينية، وأولو الأمر والنهي، والأوصياء على المصريين، أحيطوا علمًا بالحوادث الثلاث وما سبقها من قبل، أم أنَّ عندهم ما يزعجهم ويشغلهم ويملأ أوقات فراغهم!
ظهر الفسادُ في بر مصر بما كسبت أيدي الناس. لم يترك المصريون جريمة إلا اقترفوها. صاروا يبدعون في اختراع جرائم غير مسبوقة. أظنُّ الشيطانَ الأعظمَ في أفضل حالاته النفسية والمعنوية الآن، فقد فعلوا ما لم يكن يخطر له على بال، وما لم يكن يجولُ بخاطره يومَ رفضَ السجودَ لآدمَ، وأعلن عصيانه لربِّ العالمين.
بكل أسفٍ.. "زنا المحارم" ليس ظاهرة طارئة على المجتمع المصرى. قبل سنوات ليست قليلة.. حذر كتابُ "زنا المحارم.. الشيطان في بيوتنا" من تفشي هذه الجريمة، وأورد أرقامًا ونسبًا وإحصائيات ظنَّها الناسُ يومئذٍ تنطوي على مبالغة، واستخفَّوا بها وتجاهلوها، ولكنَّ تقادُم السنين أثبتَ أنَّ الأمر أبعدُ بكثير مما توصل إليه مؤلفُ الكتاب الدكتور "أحمد المجدوب"، كما أنَّ أنماطًا أكثر قبحًا ظهرتْ وتفشتْ وانتشرتْ وتوغلتْ بين طبقات الشعب المُتدين بطبعه!
"المجدوب" أرجع تفشي هذه الظاهرة إلى عواملَ وأسبابٍ تتصل بالفقر، ولكن الوقائع الأخيرة بينتْ أن الفقر وحده ليس سببًا للوقوع في هذا الفخِّ، لأن الأوساط الراقية والثرية ليست بمنأى عنها ولا فوق مستوى الشبهات، كما أن كثيرًا من الفقراء تترفع نفوسهم عن معانقة مثل هذه السلوكيات الدنيئة.
إجمالًا.. شئنا أم أبينا.. الشخصية المصرية في أسوأ حالاتها. تتكالبُ عليها الأمراض النفسية والأخلاقية بوتيرة متسارعة، بعد تجريف مناعتها التي كانت تقف حائلًا بينها وبين التعاطي مع الحرام على هذا النحو الشيطاني المُمنهج و"المُميكن"!!
الحديثُ عن إعادة تأهيل الشخصية المصرية أخلاقيًا ليس رفاهية ولا إهدارًا للوقت، بل قد يتقدمُ على ما سواه، ويتطلبُ من جميع الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المجتمع العمل على إعادتها إلى الفطرة السليمة. الصمتُ المريبُ عن توغل هذه الظاهرة بين المصريين ليس من الفطنة أو الذكاء. واعلموا إن كنتم تجهلون أنَّ بناءَ البشر مُقدمٌ على بناء الحجر.. وتلك هي الفريضة الغائبة.