بعد 30 يونيو.. عودة زمن الدبلوماسية الرشيدة.. حضور لافت لمصر في المحافل الدولية.. رئاسة الاتحاد الأفريقي لأول مرة خطوة لزعامة القارة السمراء.. وعلاقات قوية مع واشنطن وموسكو في سنوات قليلة
اليوم حينما نشاهد الوفود العربية تتوافد على القاهرة، ونشاهد الزيارات المتبادلة التي يجريها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ندرك إلى أي حد ساهمت 30 يونيو في إنقاذ المنطقة برمتها من مشروع تدميري هدف إلى تقسيمها ولايات إرهابية تحكمها عناصر متشددة بذات الطريقة التي قدمت بها قناة الجزيرة القطرية أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة كقائد محتمل للبلاد عقب سقوط نظام الأسد، أيضا فلت مصر من مقاطعة عربية على غرار قطر كانت قادمة لا محالة وبدأت مؤشراتها الأولى عندما تسربت تقارير إعلامية حول نية أبوظبى سحب سفيرها من القاهرة وتراجعت عن القرار بعد تدخل وساطات عربية أوقفت الخطوة خشية تمدد الظاهرة.
أوروبا
الدائرة الأوروبية التي تتواجد بها مصر الآن بكافة أشكال التعاون المثمر، كانت الأكثر خطرا ورعبا على القاهرة في حال استمرت الجماعة في حكم البلاد، وكان من غير المستبعد تصنيف في مصر كدولة راعية للإرهاب، في ظل تحذيرات المخابرات الألمانية حاليا من خطورة عناصر جماعة الإخوان المتواجدة في برلين، لدرجة دفعت أجهزة الأمن لمراقبة مساجد تسيطر عليها عناصر الجماعة.
فرنسا
فرنسا هي الأخرى وعلى لسان رئيسها إيمانويل ماكرون حذرت بشكل علني من خطورة الإسلام السياسي الذي اعتبره يمثل تهديدا ويسعى للانعزال عن الجمهورية الفرنسية.
هذه الدائرة –الأوروبية- وما تحمله حاليا من أهمية قصوى للأمن القومي المصري، حيث تعد عواصمها روافد مهمة لتنوع التسليح المصري للهروب من الوقوع تحت سيطرة أمريكا في هذا السوق، من المحتوم أن القاهرة كانت ستحرم من قطعة سلاح واحدة ترد لها من هذا السوق خشية وقوعه في يد تنظيمات إرهابية، وتحول هدف امتلاكها الأساسي من الدفاع عن الدولة إلى قتل الأبرياء باسم الدين.
الغاز
المشاريع الأوروبية التي جلبتها مصر ما بعد ثورة 30 يونيو المتعلقة بالتكنولوجيا والغاز تحديدا، هي الأخري مثل إزاحة الجماعة عن الحكم ممرا آمنا لقدومها إلى السواحل المصرية عبر المتوسط الذي يراه الأب الروحي للجماعة في تركيا –أردوغان- نقطة صراع مع أوروبا ويريد الاستيلاء على حقوقها.
أفريقيا التي وضعتها مصر بعد زوال حكم الإخوان على رأس أجندتها الدبلوماسية الخارجية، أدركت عواصمها المختلفة خطورة هذا التنظيم بعدما تجرعت هي الأخري مرارته موريتانيا والسودان وتونس وليبيا والصومال وجيبوتى والسنغال وجنوب أفريقيا ونيجيريا، دول القارة السمراء انفتحت على القاهرة الآن بقوة ونجحت مصر في رئاسة الاتحاد الأفريقي لأول مرة تاريخ المنظمة الأفريقية، وهو القرار الذي جاء بعد 6 أعوام فقط من تعليق عضوية القاهرة بالمنطقة على خلفية عزل مرسي على خلفية مزاعم ساقتها جماعة الإخوان من خلال فروعها وخلاياها النائمة بدول القارة.
الدائرة الأخطر خارجيا على مصر تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، صحيح أن الرئيس السابق باراك أوباما، متهم حتى الآن بدعم الجماعة في القاهرة والمنطقة، إلا أن المتغيرات الحادثة مع وصول دونالد ترامب إلى الحكم خلفا له، تعكس خطة أمريكا الناعمة بوجه الديمقراطية الرامية لوضع مصر في كماشة الإسلام السياسي على غرار قبولها في بداية الأمر بالتعامل مع حركة طالبان الأفغانية واستباحت كابول فيما بعد عسكريا بذريعة محاربة الحركة التي كانت حليفا لواشنطن ودخل رجالها البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان.
ومن المؤكد أن أوباما قبل رحيله من البيت الأبيض، كان سيصف مرسي بأنه خيب أمله على غرار حديثه الشهير مع مجلة "ذا أتلانتيك" عام 2016، حينما تحدث عن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ووصفه حينها بالمستبد، وتركه فريسة سهلة لخليفته في الحكم ينال منه ويهدده بين الحين والآخر بفرض العقوبات على رموز نظامه.
صنع القرار
دوائر صناع القرار في واشنطن التي تعادي أفكار الإخوان وتعتبرها تنظيما إرهابيا وتسعى لإدراج الجماعة على قائمة الإرهاب، وبالرغم من التباطؤ في اتخاذ الخطوة حتى الآن بفضل لوبيهات الضغط التي تسدد لها قطر فاتورة تعطيل القرار، من المؤكد أن القرار الذي يعتبره المراقبون متوقفا على التوقيع الرسمى، كان سيتخذ بهدف تقزيم مصر ووضعها على القائمة السوداء أسوة بما حدث مع نظام الرئيس السودانى المعزول، بما يدفع القاهرة لتقديم تنازلات على حساب تاريخها ومستقبلها ضد جيرانها العرب ولصالح الاحتلال الإسرائيلى لترضية واشنطن طامحة في مجرد فك عزلته الدولية القادرة على تدمير اقتصادها وضياع حلم أجيال قادمة في وطن مستقر.
ساعتها كان مصير الدولة المصرية مرهونا بتغريدة سلبية من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضدها، كانت كفيلة بإسقاط أسهمها المالية ووقف نشاطها التجاري وشل حركتها وفرض عقوبات على جيشها واستبدالها من تصنيفه الدولى ضمن الجيوش القوية، إلى وضعها في خانة الميليشيات الإرهابية، على عكس ما يحدث الآن من قيام الرئيس الأمريكي بنشر صور لقائه مع الرئيس المصري وتعبيره عن سعادته بهذه اللقاءات والإشادة بما يقوم به لصالح بلاده والتعويل عليه كرجل قادر على حل الأزمات في إقليمه كحاكم لدولة استطاعت أن تنجو من فوضى الشرق الأوسط واحتفظت بمكانتها كشريك إستراتيجي كما وصفها وزير الدفاع الروسي، وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، في سياق تعبيره عن العلاقات المميزة بين القاهرة وموسكو، في ظل حرص الأخيرة على دعم القاهرة خلال السنوات الماضية.
وأطلق رئيسها فلاديمير بوتين عدة تصريحات تحمل اشادة بثورة 30 يونيو وخلاص القاهرة من حكم الجماعة التي تدرجها بلاده على قائمة المنظمات الإرهابية، ومثلت الزيارات المتبادلة بين السيسي وبوتين وحفاوة الاستقبال بالرئيس المصري على عكس الطريقة المهينة التي استقبل بها مرسي رسالة دعم روسية مكتوبة بسطور واضحة لبعثها إلى العالم والمنطقة برفض الشريك الشرقى التعامل مع هذا التنظيم على مختلف مسمياته وفروعه، ولعل حضور مصر فاعليات قمة العشرين الاقتصادية في اليابان الأسبوع الماضى كان بمثابة التتويج العملى لانتصار 30 يونيو في إعادة بوصلة الدبلوماسية المصرية إلى مسارها الصحيح.
"نقلا عن العدد الورقي..."