حكاية شركة من الزمن الجميل
عندما تنظر إلى شركة "النصر لصناعة السيارات" تجد نفسك تسترجع عظمة فكرة إنشائها، وإلى أي حد كان يمكن أن تتطور مصر وتصبح مثل الدول الصناعية الكبرى في العالم الآن كاليابان وألمانيا وأمريكا، فقد رأت القيادة السياسية في ذلك الوقت ممثلة في الزعيم "جمال عبد الناصر" أنه ينبغي البدء في مشروع اتخذ اسم "من الإبرة إلى الصاروخ"..
بهدف إنشاء مشروع قومي بنهضة صناعية كبرى في مصر والوطن العربي. وكان ضمن هذه النهضة تأسيس شركة تعد هي الأولى في صناعة السيارات في مصر والشرق الأوسط، فيعود تاريخ إنشاء شركة "النصر لصناعة السيارات" إلى صدور قرار وزاري عام 1957 بتشكيل لجنة تضم وزارة الحربية ووزارة الصناعة؛ لإنشاء صناعة سيارات اللوري والأتوبيسات في مصر..
وتم دعوة شركات عالمية لإتمام ذلك، وبالفعل أسند هذا المشروع إلى شركة "كلوكنر-همبولدت-دوتيز" الألمانية الغربية، وتم التوقيع على ذلك عام 1959، ثم صدر القرار الجمهوري رقم 913 في 23 مايو 1960 بتأميم شركة "النصر لصناعة السيارات"، لتصبح ملكا للحكومة المصرية.
تم افتتاح خطوط التجميع في وادي حوف عام 1960، وتوالت عقود مشروعات تصنيع سيارات الركوب مع شركة الألمانية وشركة فيات الإيطالية، والجرارات الزراعية مع شركة يوغسلافية، والمقطورات مع شركة بلاوهيرد الألمانية، وتطور إنتاج الشركة تطورًا كبيرًا بفضل العمالة الماهرة والمدربة عن طريق أكبر مراكز التدريب الألمانية.
وبدأت الشركة بـ290 عاملًا حتى وصلت لأكثر من 12 ألف عامل من العمالة الفنية المدربة، بالإضافة إلى العمالة في مصانع الصناعات المغذية للشركة. وعملت "نصر" على تجميع سيارات فيات في مصانعها وحازت على ثقة المصريين، وكانت أكثر السيارات مبيعا في السوق المصرية.
وأنتجت شركة النصر أيضا السيارة "نصر شاهين" وهي موديل معدل في شركة توفاش "Tofaş" التركية من السيارة فيات 131، وكذلك "فلوريدا" بالتعاون مع شركة يوجو الصربية، وهي نموذج معدل من سيارة فيات 128.
ومع بداية التسعينيات، شجعت الحكومة المصرية على إنشاء مصانع خاصة لإنتاج وتجميع السيارات، وبدأت عدة شركات عالمية بإنشاء مصانع لها في مصر، وقدمت عدة موديلات حديثة تلبي احتياجات المستهلك مقارنة بما كانت تقدمه "نصر" من موديلات أوقف إنتاجها في مصانع فيات منذ سنوات، حيث ظهرت ماركات أخرى مثل سوزوكي وهيونداي وبيجو بالإضافة إلى أوبل التابعة لمصنع جنرال موتورز مصر العامل في مصر منذ نهاية السبعينات.
وفي ظل هذا التنوع الكبير والمنافسة الشرسة، تدنت مبيعات "نصر" بشدة مما أدى إلى زيادة الديون المتراكمة أساسا. فبدأت إجراءات تصفية شركة "النصر" للسيارات بسبب تراكم مديونياتها إلى 2 مليار جنيه، وتم تقليص عدد العمالة من 10 آلاف إلى 300 عامل حيث قدمت الشركة ميزانياتها محققة خسائر 165 مليون جنيه..
وجاء تراكم مديونيات شركة النصر لصناعة السيارات لسببين، الأول بسبب عدم توافر عملات أجنبية لإبرام اتفاقيات السيارات المراد تجميعها، حيث كان المتبع حينها أن يتم فتح اعتماد مستندي بالعملة الأجنبية لدى أحد البنوك الوطنية، وكان لا بد من سداد الاعتماد المستندي بالعملة الأجنبية، ولم تتوفر العملة الأجنبية للشركة للسداد نظرا لأن مبيعاتها كانت داخل السوق المصرية، كما أن سعر الدولار الأمريكي حينها كان أقل من الجنيه المصري..
ثم جاءت السياسات الاقتصادية لتحرير سعر الصرف مما أدى إلى عجز الشركة عن سداد مديونياتها نظرا للارتفاع السريع جدا لسعر الدولار.
أما السبب الثاني فقد كانت السياسات الخاطئة من الدولة بالتسعير الجبري للسيارة خلال فترة السبعينات وأوائل الثمانينات، حيث كانت الدولة تتبع السياسات الاشتراكية لتيسير حصول المواطنين على سيارة بما يتناسب ومتوسط الدخل للفرد في مصر، وعلى سبيل المثال، فقد بيعت سيارة نصر 133 في أوائل الثمانينيات بمبلغ 3000 جنيه مصري، في حين كانت تكلفة تصنيعها نحو 5000 جنيه مصري.
فأغلقت الشركة أبوابها حتى أقر مجلس الشورى عام 2013 عودة الشركة للعمل في شهر مارس تحت إشراف وزارة الإنتاج الحربي والتي وافقت على إعادة المصنع للعمل تحت إشرافها، لكن ظلت الشركة محلك سر ومغلقة الأبواب، حتى كان الإعلان الأخير من قبل رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، والذي ذكر أنه سيتم الإعلان خلال شهر عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة عالمية لتطوير شركة النصر للسيارات التابعة له.
وأضاف أن مشروع تطوير صناعة السيارات، يقوم على الاستفادة من شركتي النصر للسيارات، والهندسية لصناعة السيارات، واللتان كانتا شركة واحدة ثم تم فصلهما إلى شركتين.
وأوضح أن إعادة دمج الشركتين في شركة واحدة مطروح لأن الدمج ليس غاية، لكنه قد يكون وسيلة لتنفيذ المشروع الذي يتم الاتفاق عليه. وفي مارس الماضي، وافقت الجمعية العمومية غير العادية للشركة القابضة للنقل البحري والبري، على نقل تبعية الشركة الهندسية لصناعة السيارات إلى الشركة القابضة للصناعات المعدنية.
وكان وزير قطاع الأعمال قد أعلن في مارس الماضي، توقيع اتفاق مبدئي، مع شركة نيسان اليابانية لتصنيع سيارات في مصر بهدف التصدير، من خلال شراكة مع شركة النصر للسيارات لإنتاج نحو 100 ألف سيارة سنويًا، لكن هذه الشراكة لم تكتمل لأن الشركة اليابانية تستهدف إنشاء مصنع على أحد المواني لسهولة التصدير.
وتحاول وزارة قطاع الأعمال تطبيق التجربة المغربية في تصنيع السيارات من خلال استغلال خطوط إنتاج شركة النصر بالتعاون مع مصنع عالمي وبيع إنتاجه خارجيا بعيدا عن السوق المحلي.