تونس في خطر.. معضلة دستورية تهدد بإعادة الدولة إلى الفوَضى
تشهد الدولة التونسية، اليوم الخميس، محنة غير مسبوقة في تاريخها، بدأت بتعرض البلاد لتفجيرين انتحاريين، إضافة إلى تدهور الحالة الصحية للرئيس الباجى قايد السبسي، تطلبت نقله إلى المستشفى العسكري لتلقى العلاج.
وتزامنا مع هذه التطورات الحرجة المتعلقة بصحة الرئيس خصوصا مع تردد شائعات حول وفاته، ذكرت وكالة الأنباء التونسية الرسمية "وات"، إن رئيس مجلس النواب –البرلمان- محمد الناصر سوف يعقد بعد ظهر اليوم الخميس بمقر البرلمان على اجتماع طارئ لمناقشة الأوضاع في البلاد، وسارعت حركة النهضة التونسية –الإخوان- إلى تكذيب عقد اجتماع طارئ بالبرلمان الأمر الذي يثير الشكوك حول مصير البلاد، ويطرح السؤال عن الرئيس المحتمل في حال إعلان وفاة السبسي رسميا.
النص الدستوري
ينص الفصل 83 من الدستور التونسي على أنه "لرئيس الجمهورية إذا تعذّر عليه القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوض سلطاته إلى رئيس الحكومة لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما قابلة للتجديد مرة واحدة.
ويعلم رئيس الجمهورية رئيس مجلس نواب الشعب بتفويضه المؤقت لسلطاته.
وينص الفصل 84 على أنه في حالة الشغور الوقتي لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تحول دون تفويضه سلطاته، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقرّ الشغور الوقتي، فيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية. ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي ستين يوما، وإذا تجاوز الشغور الوقتي مدة الستين يوما، أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أوفي حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتقرّ الشغور النهائي، وتبلّغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.
وفي حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية ينص الفصل 85 من دستور الجمهورية التونسية على أن يؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب وعند الاقتضاء أمام مكتبه، أو أمام المحكمة الدستورية في حالة حل المجلس.
وينص الفصل 86 على أن القائم بمهام رئيس الجمهورية، يمارس خلال الشغور الوقتي أو النهائي، المهام الرئاسية، ولا يحق له المبادرة باقتراح تعديل الدستور، أو اللجوء إلى الاستفتاء، أو حل مجلس نواب الشعب. وخلال المدة الرئاسية الوقتية يُنتخب رئيس جمهورية جديد لمدة رئاسية كاملة، كما لا يمكن تقديم لائحة لوم ضدّ الحكومة.
تعطيل المحكمة الدستورية
وفى الحالة القائمة المتعلقة يعتبر رئيس مجلس النواب محمد الناصر الرجل المحتمل لشغل منصب الرئيس في ظل حالة صحة السبسي الصحية واحتمالية إعلان وفاته في أي وقت خصوصا مع تحدث مقربين عن تعرضه لموت سريري بالرغم من التصريحات الرسمية الهادفة لطمأنة عموم الشعب، إلا أن هناك عقبة كبيرة تقف أمام تنفيذ هذه الخطوة متمثلة في تعطيل عمل المحكمة الدستورية.
أكد دستور تونس 2014 ضرورة إرساء "محكمة دستورية" تلعب دور المُحكم بين مختلف الأحزاب، إلا أن حركة النهضة الإخوانية تسعى بكل الطرق إلى تعطيل هذه الخطوة عبر نوابها (69 عضوا) في البرلمان، لخدمة مصالحها الخاصة.
وتشكيل المحكمة جرى تعطيله أكثر من مرة على يد جماعة الإخوان هناك ولأسباب مختلفة، كان أبرزها معارضة عضوية الدكتورة في القانون بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، سناء بن عاشور، لأنها كتبت العديد من المقالات التي تنتقد فيها أداء حزب النهضة. الذراع السياسية للجماعة.
وحول هذه المعضلة تقول الصحفية التونسية نجلاء بن صالح لـ"فيتو"، أن المِشهد الحالى يتسم بالتعقيد الشديد وربما يقود الدولة إلى محنة حقيقة في حال شغور منصب الرئيس، وربما يكون الحل للخروج من النفق هو اللجوء إلى رئيس بالتوافق، وهو أمر محفوف بالمخاطر في ظل التحالفات السياسية الخفية التي عقدت في الكواليس وحال محاولة جماعة الإخوان استغلال الفرصة.
رئيس نواب الشعب
ومحمد الناصر الذي تقف معضلة تعطيل المحكمة الدستورية أمام توليه منصب الرئيس، سياسي مخضرم تولى عددا كبيرا من الوظائف السامية في كافة العهود السياسية منذ الاستقلال، وأصبح أول رئيس لأول برلمان تونسي بعد ثورة الياسمين 2011.
ولد محمد الناصر عام 1934 في مدينة "الجَمّ" بولاية المهدية التونسية.
المؤهلات الدراسية
تخرج في معهد الدراسات العليا متخصصا في القانون بتونس عام 1956، وحصل على درجة الدكتوراه في مجال "القانون الاجتماعي" 1976 من جامعة باريس بفرنسا.
عين في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة "مندوبا عاما" –مديرا- لديوان التونسيين بالخارج -هيئة المغتربين- خلال 1973-1974، ثم وزيرا للعمل والشئون الاجتماعية في حكومة الهادي نويرة (1974-1977)، وأسندت إليه نفس الحقيبة الوزارية في حكومة محمد مزالي (1979-1985).
أسندت إليه في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن على، رئاسة البعثة الدائمة لتونس لدى الأمم المتحدة والهيئات الدولية المختصة في جنيف خلال 1991-1996.
أصبح منذ عام 2005 منسقا للميثاق العالمي للأمم المتحدة بتونس ومدققا اجتماعيا، ويعمل مستشارا دوليا منذ عام 2000.
تولى بعد الثورة التي أطاحت بنظام بن على يوم 14 يناير 2011- وزارة الشئون الاجتماعية في حكومة الباجي قايد السبسي، التي قادت تونس من نهاية فبراير 2011 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2011.
شغل منصب رئيس معهد الاستشارات الاجتماعية، وعضوية المعهد الدولي للتدقيق الاجتماعي بباريس، وكان مستشارا في مركز الدراسات الاستشرافية والإستراتيجية بباريس، وهو عضو في عدد من الهيئات الإقليمية والدولية المتخصصة في حقوق الإنسان.
الخبرة السياسية
انضم الناصر رسميا إلى حركة "نداء تونس" في فبراير 2014 فعُيّن نائبا لرئيسها الباجي قايد السبسي، ثم انتخب رئيسا لمجلس نواب الشعب، الذي أفرزته الانتخابات التشريعية المنعقدة في أكتوبر 2014، والتي احتل فيها "نداء تونس" المركز الأول.
كان فوزه هذا برئاسة أول برلمان منتخب بعد الثورة التونسية سهلا لأنه كان المرشح الوحيد للمنصب، فحصل على 176 صوتا من 214 هي مجمل أصوات البرلمان الذي منحه دستور تونس الجديد صلاحيات واسعة.