نجوم الكان.. نيكولاس بيبي «الكسول المتمرد على أوامر السجان»
بالقرب من مترو الدانوب بمحيط المنطقة التاسعة عشرة بشمال شرق فرنسا، داخل إحدى المساحات الشاسعة التي تحيط بها المباني ذات اللون البرتقالي من ثلاث جوانب، يطلق عليها الروضة، بدأ الطفل الأسمر حياته الكروية، يلتقط الكرة ويتحرك بها يمينا ويسارا، ويركلها في الحائط مرارا وتكرارا.
المعلم: ماذا تريد أن تصبح في الحياة عندما تكبر؟
الطفل صاحب الـ 6 أعوام: أريد أن اصبح لاعب كرة قدم محترف.. هذا ما أريد.
بعد 15 عاما يكبر هذا الطفل ويصبح «نيكولاس بيبي» لاعب فريق ليل الفرنسي والمنتخب الإيفواري، وأفضل لاعب أفريقي في الدوري الفرنسي.
البداية قبل ذلك السؤال بنحو عشر سنوات عندما قرر زوجان من ساحل العاج في بداية التسعينيات الهجرة إلى فرنسا للحصول على فرصة أفضل للحياة.
استقر الحال بالأسرة في البداية في «مانتس لا جولي»، والتحق الأب للعمل حارسا للسجن فيما عملت الأم مدبرة منزل، كانت الحياة بسيطة، يكافح الزوجان من أجل توفير متطلبات الحياة.
في عام 1995 ولد نيكولاس، قضى سنوات حياته الأولى متعلقا بالكرة، لا تفارق قدميه، لا يختلط كثيرا بالناس، في الصباح يذهب إلى المدرسة ويعود لقضاء واجباته ومن ثم يسرع إلى ممارسة كرة القدم، كان يفضل الوقوف حارس مرمى يراقب بعينيه تحركات اللاعبين ومراوغاتهم وكيفية التسديد.. بعد فترة وجيزة يتخذ قراره سأكون مهاجما فأنا أملك المقومات.
يحكي «نيكولاس» جوانب من قصة حياته.. كيف بدأت رحلته مع كرة القدم :
«نشأت في أسرة متواضعة كان أبي في البداية يعمل حارسا للسجن، فكان الإلتزام شيء أساسي في حياتنا، لم يكن لدينا الكثير من الوسائل الترفيهية، لم يكن أمامي سوى كرة القدم أركلها طوال اليوم».
«لم أتواجد بالشارع كثيرا، الحي الذي نشأت فيه كان يعج بالمجرمين وتجار المخدرات، كان يمنعني والداي من اللعب في الشارع كثيرا، كنت لا أتحرك سوى في حدود معينة إما المدرسة أو المنزل أو ملعب كرة القدم.. وهناك بدأ كل شيء».
«كان والدي لاعبا هاويا لكرة القدم، حلم يوما أن يصبح لاعبا محترفا إلا أن الظروف لم تكن متاحة، في صباح كل يوم أحد كنت اذهب مع والدي إلى الملعب وفي أحد الأيام احتاجوا إلى حارس مرمى»
«كنت أتمتع بطول متميز أهلني لهذا المركز، لكن في تلك المرحلة تعلمت الكثير عن لعب كرة القدم بشكل عشوائي، بدأت أتقدم رويدا رويدا في كرة القدم، كنت إما أن أتواجد داخل الملعب وإما في إحدى الصالات الرياضية، كونت بنيانا قويا يسمح لي بالدخول في التحامات وحينها اتخذت قراري سأصبح مهاجما».
« في عمر الثالثة عشر التحقت بنادي سوليتير، لعبت بطولة كاملة وفوجئت عندما أنهيت البطولة بحصولي على أفضل حارس مرمى وأفضل هداف».
بدأ نيكولاس مسيرته الاحترافية عندما انضم إلى نادي بوتييه في السادسة عشر، لتبدأ معه قصة جديدة في عالم كرة القدم، الجميع شهد له بالمهارة والسرعة إلا أن المستكشفين رأوا أنه كسول!
«إن كان لديك هدف واضح، لا تتركه، لا تشعر بالإحباط، عليك بالعمل الجاد وعدم الاسترخاء، عليك أن تستمتع بطريقتك لتحقيق حلمك لا تجعل أحدا يقلل من ثقتك في ذاتك».
لم يعرف الاستسلام طريقه إلى قلب الفتى السمر الصغير استمر في ملاحقة حلمه وذهب به بعيدا إلى غرب باريس «انجيه».
بمزيد من العرفان يتحدث نيكولاس عن تجربته في النادي: «مثّل لي أنجيه الانطلاقة الحقيقية في عالم الاحتراف، لقد سمح لي أن أعرض نفسي وأن أضع لنفسي هدفًا حقيقيًا، ألا وهو أن أصبح محترفًا.. هناك شعرت أن الأهداف من الممكن أن تتحقق».
«التغيير الحقيقي لم يكن في كيفية لعب كرة القدم، ولكن في كيفية الحياة كلاعب كرة قدم، أن تدرك أن البعض يستيقظ في الصباح الباكر من أجل الحصول على الفرصة التي تمتلكها الآن وبين يديك.. أعتقد أنها مرحلة النضوج وقد ساعدني العديد من المدربين للوصول إليها».
لعب فترة ليست بالقصيرة بين صفوف انجيه، ومن ثم تمت إعارته إلى أورليانز، يقول عن تلك الفترة : «في البداية لم أكن متحمسا للتوقيع، إلا أنني أقنعت نفسي أنها تجربة وعلي أن أتعايش معها، الأمر مثّل لي تحديا خاصا إذ لم أبذل كل نقطة عرق كي أصل إلى المستوى المطلوب فلن أعود مرة أخرى إلى «انجيه» ونجحت في العودة مرة أخرى.
عندما بلغ عامه العشرين حصل على لقب أفضل لاعب محلي وهو ما زاد من لفت الأنظار إلى الموهبة الشابة.
حصل «بيبي» على الثقة اللازمة لبداية الانطلاق في دوري الدرجة الأولى، وتبلورت شخصيته الكروية شيئا فشيئا، بدأت العروض تتوالى عليه إلا أنه حافظ على هدوئه ولم يتسرع في اتخاذ القرار.
أثناء لعبه إحدى المباريات كان أحد المستكشفين يلقي نظرة على أحد اللاعبين في الفريق الخصم إلا أن «بيبي» خطف الأنظار سريعا ليبدأ رحلة جديدة ذات مستوى أعلى احترافية بانتقاله إلى نادي «ليل الفرنسي».
هناك.. كان الأمر مختلفا كثيرا، يعد فريق ليل أحد أعرق الفرق بالدوري الفرنسي والانضمام له خطوة هامة كانت بمنزلة الانطلاقة نحو العالمية.
«وجدت نفسي مع أحد أفضل المدربين «كريستوف جالتيه» لديه تكتيكاته الخاصة، صارم جدا، لم أختبر هذا النوع من الصرامة من قبل، كان صعب الإرضاء ويدفعك لتقديم كل ما هو لديك، بفضل توجيهاته ذهب بالفريق إلى مستوى آخر».
تقول الحكمة «من شب على شيء شاب عليه» هكذا كان حال نيكولاس بيبي بعد أن تحول من اللعب في الشارع مرورا بعدد من الأندية في الدوري الفرنسي في الدرجة السابعة والخامسة وصولا إلى الدرجة الأولى، إذ يحتل مركز ثالث هداف في الدوري الفرنسي.
«لا أفعل الكثير في أوقات فراغي، أنا أبقى في المنزل فترات طويلة، أشاهد المباريات أو ألعب الألعاب الإلكترونية».
الوصول إلى التمثيل الوطني فخر لأي لاعب كرة قدم، أن تقف دولة بأكلمها تهتف لك شعور قوي يدفعك إلى أن تبلل قميصك من أجل إسعاد الجماهير الغفيرة التي تنتظر منك أعلى أداء يقول "بيبي" «اللعب مع المنتخب الوطني أمر جلل، شعرت بنظرة فخر في عيون والدي، هذا الأمر أسعده كثيرا وأنا مستعد لأن أفعل المستحيل لتحقيق بطولات دولية مع منتخب بلادي».