رئيس التحرير
عصام كامل

مستقبل الجماعة الإرهابية.. يُحسم بموت مرسي!


كنا قد تناولنا في مقالات سابقة، وعبر الست سنوات الماضية، منذ الإطاحة بجماعة الإخوان الإرهابية من سُدَّة الحكم في مصر في 30 يونيو 2013، الخيارات المتاحة أمام الجماعة الإرهابية، ولعل محاولات إنكارها هي ما أوصلنا لهذه الحالة الراهنة التي كبرت فيها الجماعة، وتمددت واتسع نفوذها، وكادت تبتلع الوطن بكامله، عندما تمكنت من الوثوب للسلطة، في لحظة من اللحظات الفارقة في تاريخ الوطن.


فأخطاء الأنظمة السابقة في التعامل مع هذه الجماعة الإرهابية، على مدار ما يقرب من نصف قرن، كانت سببًا فيما وصلنا إليه الآن من مواجهة شاملة مع هذه القوى الإرهابية، حيث ظَنَّ السادات أنه بإمكانه القيام بثورة مضادة لثورة 23 يوليو 1952 يتخلص على أثرها من خصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين، فاستعان على الفور بخصمهم العنيد جماعة الإخوان الإرهابية، فأخرجهم من السجون، وأطلق سراحهم لمواجهة هؤلاء الخصوم، لكن هذه المواجهة انتهت باغتياله شخصيًّا، بعد أن ظنَّ أنهم فرغوا من مهمتهم التي أوكلها لهم.

ثم جاء من بعده مبارك ليسير في نفس الطريق، وعلى نفس النهج، حيث قرر منذ البداية استمالة الجماعة الإرهابية، وعقد صفقات تحتية مع قيادتها، تمكنت على أثرها الجماعة من التغلغل، وبناء النفوذ داخل بنية المجتمع المصرى، انتظارًا للفرصة التي يمكن من خلالها الانقضاض على السلطة السياسية وانتزاعها، وساعدتهم على ذلك سياسات مبارك المنسحبة من الأدوار الرئيسية للدولة، وتخليها عن مسئوليتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها.

مما خلق فراغ تمكنت هذه الجماعة وحلفاؤها الإرهابيون من ملئه، خاصة في الأحياء والمناطق الأكثر فقرًا في الريف والحضر.

ومن خلال المقالات والتحليلات السابقة، حاولنا طرح مجموعة من الخيارات المتاحة أمام جماعة الإخوان الإرهابية، فعبر قراءة علمية نقدية في أدبيات الجماعة الفكرية، وحركتها التنظيمية، وتجاربها التاريخية، داخل المجتمع المصري، توصلنا إلى ثلاثة خيارات متاحة أمام الجماعة بعد هزيمتها في 30 يونيو 2013، وهي: إلى الأمام، والاعتذار عن الفشل، وإعادة النظر في تجربتهم، والاندماج مرة أخرى في المجتمع بعد مصالحة يتم على أثرها معاقبة من أخطأ.

والخيار الثاني هو: إلى الخلف، وخوض مواجهة مفتوحة مع الجميع الشعب والدولة والسلطة السياسية، وهذا خيار اللاعودة، فإما الانتصار باستخدام الإرهاب على الشعب والدولة والسلطة السياسية، أو الانتحار والنهاية الأبدية.

والخيار الثالث هو: في المكان، واتباع مبدأ التقية والعودة مرة أخرى لعقد صفقات وتحالفات مرحلية ومؤقتة مع السلطة السياسية، كما كان يحدث في الماضي، وهي لعبة تجيدها الجماعة تاريخيًّا، بل هي جزء من عقيدتها حيث اتقاء شر السلطة السياسية حين تكون الجماعة في مرحلة استضعاف، وهو ما تم على مدار حكم مبارك، ثم انتهاز الفرصة للانقضاض عليه، والإطاحة به والجلوس محله، وهى المرحلة التي تعرف بمرحلة الاستقواء والتمكين.

وكنا قد أكدنا، عبر الشواهد والأدلة والبراهين، أن الجماعة تسير بالفعل في اتجاه اللاعودة، أي الخيار الثانى إلى الخلف، لكننا لم نستبعد الخيار الثالث، وهو في المكان، لأنها لعبة تجيدها الجماعة الانتهازية تاريخيًّا وبشكل كبير.

لكننا الآن نستطيع أن نحسم الأمر، فالجماعة عبر السنوات الست الماضية قد حسمت أمرها، وقررت خوض معركة إلى الخلف للنهاية، وذلك من خلال تحالفها مع باقى الجماعات الإرهابية التي خرجت من تحت عباءتها والتي تطلق على نفسها مسميات مختلفة – سلفية وجهادية وغيرها– حيث تعددت العمليات الإرهابية المدعومة من بعض القوى الدولية والإقليمية المساندة للتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية والتي تسعى لتقسيم وتفتيت مصر ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد.

وخلال الأسبوع الماضى حاولت الجماعة الإرهابية استثمار موت "محمد مرسي"، أحد قيادات الصف الثاني للتنظيم، والذي دفعت به الجماعة في لحظة الاستقواء والتمكين ليكون رئيسًا لمصر، أثناء محاكمته في قضية التخابر مع دولة أجنبية ضد مصر، فتحركت الكتائب الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك بعض القنوات الفضائية التابعة والداعمة لهم؛ في محاولة لتحريك الشارع المصري لصالحهم؛ أملا في إشاعة الفوضى من جديد. 

وكان تقديرنا العلمي يقول إن الجماعة، بالفعل، قد فقدت جزءًا كبيرًا من رصيدها الاجتماعي بعد خيارها بخوض حرب إرهابية مفتوحة مع الشعب والدولة والسلطة السياسية، لذلك سوف يمر الحدث دون أي تأثير على الشارع المصري، أقصى ما يمكن أن تفعله الجماعة هو عملية إرهابية هنا أو هناك، كالتي تقوم بها من حين إلى آخر عبر السنوات الست الماضية، فموت "مرسي" قد حسم مستقبل الجماعة.

لكن يجب أن يعي الشعب المصري والسلطة السياسية معًا أن المعركة الراهنة هي الخيار الأخير أمام هذه الجماعة الإرهابية، وعلينا جميعًا أن نتوحد تحت مظلة الوطن؛ فالمعركة لا يمكن أن تُحسم من خلال الأجهزة الأمنية فقط –جيش وشرطة– وإنما تحتاج لمواجهة مجتمعية شاملة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والإعلامية، وليدرك الجميع أن هذه المعركة ستطول، ولن تُحسم غدًا أو بعد غدٍ؛ فالظهير الاجتماعي للجماعة الإرهابية متغلغل داخل بنية المجتمع المصري، وداخل كافة مؤسسات الدولة؛ لذلك يجب مواجهته والقضاء عليه. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية