هنا دمشق من القاهرة
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. وذلك ماحدث عندما تحرش البعض بالأشقاء السوريين، فقد كنا في حاجة لاختبار آصالة ووعي الأمة المصرية، وكان السوريون في حاجة لترجمة مشاعر الود المصرية لهم علنًا، عندما ردوا على هذه اللمم بهاشتاج ظل يتصدر تويتر وفيس بوك لمدة يومين، #السوريين_منورين_مصر..
بدأ كل مصري يحكي قصة جميلة حدثت له مع سوري أو سورية في مصر؛ ذلك أن مصر طول عمرها نتيجة خلطة عبقرية من الثقافات والأعراق، لولا الشوام والأرمن والطليان واليونانيين وغيرهم، ما كانت مصر بهية.. بيننا وبين السوريين تاريخ طويل من الانتصارات والانكسارات، وهمهم همنا، وهم في وطن يحتوي الجميع دون الالتفات لناس لايعرفون التاريخ..
ولاينسى المصريون الشهيد البطل السوري "جول جمال"، وماذا فعل أثناء العدوان الثلاثي؟ ولا العبارة الشهيرة من دمشق "هنا القاهرة"، ولم ينسوا حرب تشرين / أكتوبر 1973 !! ولًا الجمهورية العربية المتحدة.. وحتى الآن لايزال الجيش السوري هو جيش مصر الأول!
ولم ينسَ المصريون البطل السوري "سليمان الحلبي"، وماذا فعل بقائد الحملة الفرنسية التي غزت مصر، كل من يعرف هذه الحقائق يدرك تمامًا أن الجدل الذي صار أخيرًا حول اللاجئين السوريين ليس له أساس، ويتناقض تمامًا مع السياسة الرسمية للدولة، ومع الاتجاه الشعبي الغالب، والمُرحب بأشقائهم السوريين واليمنيين والليبيين، ومن قبل العراقيين والسودانيين.
كما يدرك أيضًا أن الأصوات التي أثارت اللغط حول استثمارات بعض السوريين هو لغط مذموم، وما كان أن يطرح بهذا الشكل البائس، وقد ملأ السوريون شوارعنا جمالًا وخيرًا و"أكل نضيف وأنيق وفي متناول اليد".. تخطفه اليد المصرية العاملة، بسعر قريب من تكلفته، وتوفر وقت ومجهود وخسارة التجريب.
لولا الكفاءة الاقتصادية لمشروعات أكل متناهية الصغر ما استطاعوا المنافسة، (تقليل التكلفة- منتج يناسب ذوق المستهلك في الحجم والتغليف والنظافة- سعر مناسب جدًّا).. يعززها عمل عائلي كفريق متناغم ومنسجم فيما يشبه خط إنتاج عبقري، والسوريون أهل ودٍّ، بابتسامتهم تدخل القلب، ولا توجد مهنة لايجيدها السوري، ويتفوق فيها، ولهذا فهم أبناء صنعة وحرفة ومهرة.
أقبل الشعب المصري على الأكل السوري المصنوع بإتقان وفخامة، ونكهة مختلفة، وسعر في متناول الجميع، وأصبحت مدنٌ، مثل الرحاب و6 أكتوبر والشيخ زايد تعج بالسوريين ومطاعمهم.
في مصر قوانين تنظم الاستثمار لكل من يرغب من أي جنسية كانت، وينطبق الأمر على الإخوة السوريين، كما هو الحال بالنسبة لليمنيين أو الليبيين أو الأوروبيين أو الآسيويين. وبالتالى فإن التشكيك في مصادر أموال السوريين ذوي الأعمال لا يستهدفهم وحسب، بل يستهدف أجهزة الدولة المعنية بتنظيم الاستثمار بداية من الهيئة العامة للاستثمار والضرائب والصحة والصناعة، وكل الأجهزة الرقابية الأخرى؛ كل في مجاله، ويصورهم باعتبارهم لم يقوموا بأدوارهم كما ينبغى، وهذا غير متصور في بلد لديه تراث كبير في إدارة مثل هذه الأمور.
كما يشكل هذا التشكيك رسالة سلبية لكل من يرغب في الاستثمار في مصر، أيًّا كانت جنسيته، باعتباره سيكون مستهدفًا بشكل أو بآخر، ومحل رقابة مشددة باعتباره شخصًا غير مرغوب فيه، أو أنه يتجاوز على حقوق البلاد والعباد وتجب معاقبته. الأمر إجمالا ضد سياسة الدولة وضد تقاليد المجتمع جملة وتفصيلًا.
وفى مصر نماذج عديدة جاءت من الشام وأثرت الحياة المصرية في الفن والصحافة والسياسة، لم تعرف التمييز أو الاضطهاد أو النظرة الدونية.. مؤسسات إعلامية تفخر بها مصر، أسسها قادمون من الشام قبل أكثر من قرن ونصف، مستثمرون بنوا مؤسسات ومصانع وشركات ما زالت تحمل أسماء بعضهم حتى الآن. الأسماء محفورة في التاريخ والوجدان المصرى.. عائلات الجعبرى ودجانى وشعث وقويدر والرافعى والأطرش والنابلسى والريحانى وتقلا ومترى وجرجى، وكثيرون ما زالت بصماتهم قائمة، ويُشار إليها بالبنان.
وباختصار، هذه الحملة الشعواء على السوريين غير مبررة أيًّا ما كانت الزاوية التي يود أيٌّ من منظمي هذه الحملة أن ينظر منها إلى القضية؛ لأنها حملة عنصرية تكشف عن عوراتنا أكثر مما تسترها، خاصة أن لدينا عشرة ملايين مصري يعملون في الخارج بشرف، ويحتاجون لمن "يطبطب"، ويحنو عليهم.