ماذا فعلت التغيرات المناخية في إسبانيا؟
تؤثر عواقب تغير المناخ بشكل أكبر على إسبانيا مقارنة مع باقي البلدان الأخرى في أوروبا. إذ هناك نقص في مياه الشرب، وقد تتقلص مساحة الشواطئ. ولهذا يرى البعض أن قطاع السياحة في خطر.
يبدو أن الخبير الاقتصادي البريطاني، نيكولاس ستيرن كان على حق حينما قال: "إذا ارتفعت درجة الحرارة عن الحد التي وضعناه في اتفاقية باريس، فهناك خطر واضح من أن تتحول إسبانيا إلى بلد صحراوي". هكذا حذر ستيرن من عواقب تغير المناخ على البلد الأوروبي في عام 2006 من خلال تقريره المعروف بـ "تقرير ستيرن" بشأن اقتصاديات تغير المناخ، أثناء مؤتمر في سان سيباستيان.
وفي حين تستنهض الإسبانية غريتا ثونبرغ، الناشطة في مجال حماية المناخ، شباب بلدها، يتساءل كثيرون عما إذا كانت السياسة الإسبانية قد أدركت أهمية الطاقة المتجددة وحماية البيئة من أجل صالح بلدهم.
في محاولة لعبور مضيق جبل طارق، يخاطر الآلاف من المهاجرين من الصحراء الغربية سنويًا بحياتهم بسبب الحرارة ونقص الأمطار التي تدمر مستقبلهم. وقد يحدث هذا المشهد قريبًا في الأندلس، حيث يصل معظم اللاجئين، حينما ينجون من الرحلة عبر البحر.
ويتوقع البنك الدولي أن يهاجر 80 مليون أفريقي إلى الشمال أو أوروبا في السنوات القادمة بسبب تغير المناخ. وبسبب موقعها وتاريخها، تعد إسبانيا نقطة محورية للعديد من هؤلاء اللاجئين.
سعى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، في اجتماع دول أوروبا السبع في مالطا إلى تطبيق خطة استثمارية لصالح أفريقيا وحجم استثمار خاص للمغرب. وقال أيضًا إن إسبانيا بحاجة إلى أن تكون رائدة في مجال تغير المناخ في أوروبا. لأن التغير في درجات الحرارة والرياح والمواسم له بالفعل تأثير على مصدر الدخل الأكثر استقرارًا في البلاد والمتمثل في السياحة.
الطاقة الشمسية مستقبل إسبانيا
لا يزال قطاع السياحة يؤمن معظم الوظائف في إسبانيا، التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة. غير أن القطاع بحاجة إلى النهوض به أكثر. ولهذا يتفق بيدرو سانشيز، مع ما دعا له ستيرن في مارس في سان سيباستيان في مؤتمر تغير المناخ ""Change the Change" (غير التغيير) حول الرفع من إيقاع العمل والجدية في تنفيذ أهداف المناخ.
وطالب رئيس الوزراء الإسباني، الذي يقدم نفسه كمتحدث باسم جنوب أوروبا في هذا المجال بأن يكون هذا الأمر "عماد إستراتيجية الاتحاد الأوروبي".
يريد سانشيز تعيين وزيرة البيئة والطاقة في حكومته، تيريزا ريبيرا، نائبة لرئيس المفوضية الأوروبية أو على الأقل رئيسة للإدارة خلال التعيينات في بروكسل: "مع إلغاء الضريبة على الأنظمة الشمسية ذاتية التثبيت، أعطي الضوء الأخضر لسياسة جديدة للطاقة في إسبانيا"، يقول لويس ميرينو، ناشر مجلة الطاقة المتجددة "Energías Renovables".
ويعتقد ميرينو أن المحامية المحنكة هي وزيرة ذات كفاءة خاصة في حكومة سانشيز، ويقول إنها أدركت منذ عشر سنوات، خلال عملها كوكيلة وزارة في عهد رئيس الوزراء الأسبق ثاباتيرو أن مستقبل إسبانيا هو الطاقة الشمسية، لكن في ذلك الوقت كانت الألواح الشمسية لا تزال باهظة الثمن.
الهدف: الريادة في حماية المناخ
تستورد إسبانيا في الوقت الحالي، الغاز والنفط سنويًا بتكلفة تبلغ 40 مليار يورو، معظمها من الجزائر والسعودية. ويقول الخبير الاقتصادي خوسيه كارلوس دييز من جامعة ألكالا بالقرب من مدريد إن هذه الأموال يمكن للبلاد توفيرها، في حالة استغلت المناطق العديدة الغير مستخدمة وطاقتها الشمسية التي تبلغ ثلاثة آلاف ساعة في السنة. ويضيف دييز: "ننتج ميغاوات واحد من الطاقة الشمسية بتكلفة تبلغ 30 يورو، وفي ألمانيا وفرنسا تكلف 40 يورو وفي المملكة المتحدة 60 يورو".
تكاليف الطاقة مهمة أيضاَ لقطاع السياحة، الذي يعد واحدًا من أكبر مستهلكي الطاقة في البلاد، حيث يمثل 15 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. ولهذا السبب، يتعرض القطاع لانتقادات متزايدة من قبل دعاة حماية المناخ، الذين يهاجمون صناعة رحلات الطيران والرحلات البحرية على وجه الخصوص.
كما يتم انتقاد الاستهلاك المفرط للمياه من قبل الفنادق وملاعب الغولف منذ سنوات. إضافة إلى مشكلة المعالجة الفعالة للمياه. وفي المناطق السياحية، التي تشهد إقبالًا كبيرًا للسياح، مثل جزيرة مايوركا أو جزر الكناري أو مدينة بنيدورم السياحية، لا تزال مياه الصنبور بحاجة إلى تصفية وترشيح إضافيين. مشكلة نحو 750 محطة لتحلية المياه الإسبانية، تكمن في أنها تستهلك الكثير من الطاقة وعادة ما تضخ الملح في البحر، وبالتالي تغير الحياة تحت المياه قبالة السواحل.
هذه التقنية المُستخدمة في إسبانيا منذ عام 1964، كانت شرطًا أساسيًا هامًا لتطوير السياحة الجماعية. اليوم، إسبانيا هي الدولة التي تعمل على تحلية المياه بكميات كبيرة بعد المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة، وفقًا للبيانات الصادرة عن رابطة الصناعة "AEDyR". وتستخدم المياه للزراعة وري العديد من ملاعب الغولف والمناطق الخضراء، الموجودة في الجنوب الجاف من البلاد.
مشكلة مستوى سطح البحر في إسبانيا
إسبانيا ليست قوة سياحية فحسب، بل هي أيضًا واحدة من المصدرين الرئيسيين للمنتجات الزراعية في جميع أنحاء العالم. كما أن الفلاحين هناك يقدمون بسلوكياتهم أيضًا أسبابًا كثيرة لهجوم حماة المناخ. ويقول رافائيل ألفاريز، المستشار الزراعي ورجل الأعمال التقني الذي يعيش في مدريد: "إنهم يهدرون الكثير من المياه ويستخدمون الكثير من المبيدات الحشرية ويدمرون التربة بسبب الزراعة غير السليمة".
بالنسبة لإسبانيا، يعتبر ارتفاع مستوى سطح البحر أحد أكبر المشكلات، كما يقول ألفاريز. إنه مقتنع بأن العديد من الشواطئ والحقول سوف تغمرها المياه في السنوات القادمة. والتآكل هو بالفعل مشكلة في شمال البلاد. وبشكل عام، فإن الشريط الساحلي الذي يبلغ طوله 5978 كيلومترًا، حيث يقضي 90 في المائة على الأقل من السياح عطلاتهم، يزداد ضيقًا.
من جانبه يحذر إيجونيغو لوسادا، مدير الأبحاث من معهد "Hidráulica Ambiental" في كانتابريا، من العواقب المترتبة على مالكي البيوت المخصصة للعطلات وسلاسل الفنادق. مع اختفاء الشعاب المرجانية، تصبح الأماكن أقل إثارة للاهتمام بالنسبة لسياح الغوص، وفقًا لما قاله لوسادا. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي ارتفاع مستوى المياه إلى إغراق المناطق الساحلية مثل كانكون.
تمتلك إسبانيا شركات سياحية مهمة حول العالم تخطط لتأمين نفسها خلال حالات الطوارئ. هكذا استفسرت شركة Melià السياحية، عن كيفية تأمين الفنادق هناك. وهذا ما ينبغي أن يفعله مالكو منازل العطل الألمان في إسبانيا، كما يقول لوسادا: "لا أعرف ما إن كان بمقدورنا إيقاف هذا التطور".
ويعتقد لوسادا أنه يتوجب الآن الانتقال من بعض الأماكن السياحية في إسبانيا. لكن المحامي العقاري تيم فيرت، الذي يعمل في جزيرة مايوركا، يرى أنه لا أحد يريد الحديث عن ذلك :"هذا من شأنه أن يسبب الذعر".
هذا المحتوى من موقع دويتش فيلا اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل