همسة مخلصة بشأن الدروس الخصوصية
يطرح الجدل الدائر حول قضايا التعليم في مصر، مشكلة الدروس الخصوصية، التي تجبر الأسر على «برمجة ذاتية» تجريها لتلبية احتياجات الدروس في مختلف مراحل التعليم.
والحقيقة أن الأمر بات صعبا للغاية، ما بين اتهامات متلاحقة للمدرسين بأسلوب يصعب على عاقل قبوله في ضوء الرسالة المقدسة للمعلم ومكانته المفترضة، ومطالب بتدخل يطرح حلًا حاسمًا من الدولة لتلك المشكلة.
فقد أعلن وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، في نوفمبر من العام الماضي، اعتزام الوزارة تقديم مشروع قانون لمجلس النواب، يجرم الدروس الخصوصية، وفي ذات الشهر نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء توقف حملات وزارة التربية والتعليم لإغلاق جميع مراكز الدروس الخصوصية على مستوى الجمهورية، وشدد على أن «أن هناك توجيهات من القيادة السياسية بالقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية نهائيًا».
وأشارت وزارة التربية والتعليم – حينئذٍ- إلى أن «مراكز الدروس الخصوصية تُكَبِّد أولياء الأمور نحو 25 مليار جنيه سنويًا، وتضرب العملية التعليمية نظرًا لتدريبها الطلاب على طريقة الامتحان، دون توصيل الأهداف التربوية للمناهج».
والسؤال الآن: «ما الحل أمام تصريحات رسمية وردية، وواقع مؤلم تعيشه الأسر المصرية؟».. لقد حضرت جدالا بين أم وابنتها طالبة الإعدادي، حيث أبلغت الطالبة والدتها بأن مدرس إحدى المواد يريد تدريسها لها بالدرس الخصوصي بمعدل حصتين أسبوعيا؛ فكان رد الأم أن «يكفي حصة وحدة وهنجيب منين؟».
إن المناقشة الجريئة لحال التعليم لا بد أن تكون ركيزتها حوارا مجتمعيا شاملا مدعوما بإرادة سياسية قوية، بناءً على طرح هادئ مفاده: «إلى متى نخدع أنفسنا؟».. إن متابعة واقع التعليم تؤكد تناقضًا ظاهرًا؛ فالقرارات الرسمية تنص على أن مصروفات جميع المراحل رسميا من 77 إلى مِئة جنيه سنويا بالمدارس الحكومية، في حين أن الواقع العملي يؤكد أن دخول الأسر يذهب معظمها للدروس الخصوصية، حيث تنفق الأسر آلاف الجنيهات.
أليس منا ذو فكر رشيد.. أعلم أن ذلك الطرح صعب القبول، ولكنها الحقيقة العملية.. تعالوا نتخيل أن الدروس الخصوصية دخل قرار منعها حيز التنفيذ بشكل شامل على مستوى الجمهورية، وفي نفس الوقت ظلت مرتبات المدرسين كما هي، فأي منطق يقبل ذلك..
إن الحل لن يكون إلا بدراسة اقتصادية شاملة لمسألة الدروس الخصوصية، حيث نضمن للمدرس حياة كريمة بمرتب مجزٍ، وفي نفس الوقت ترفع الرسوم المقررة بشأن التعليم، والتي مهما ارتفعت لن تكلف الأسر 10 في المئة مما تدفعه تكاليفا للدروس الخصوصية وليتم إعفاء التلاميذ ذوي الظروف الاجتماعية الصعبة، بشرط أن يتم ذلك عبر دراسة شاملة ولو وصل الأمر إلى استفتاء جماهيري بشرط المصارحة والمكاشفة؛ أملا في استعادة مستوى التعليم المصري إلى سابق مجده.. والله من وراء القصد.